وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي وخلف ( أنجانا) بألف بعد الجيم والضمير عائد إلى من في قوله قل من ينجيكم. والإشارة بـ هذه إلى الظلمة المشاهدة للمتكلم باعتبار ما ينشأ عنها ، أو باعتبار المعنى المجازي وهو الشدة ، أو إلى حالة يعبر عنها بلفظ مؤنث مثل الشدة أو الورطة أو الربقة. والشاكر هو الذي يراعي نعمة المنعم فيحسن معاملته كلما وجد لذلك سبيلا. وقد كان العرب يرون الشكر حقا عظيما ويعيرون من يكفر النعمة. وقولهم من الشاكرين أبلغ من أن يقال: لنكونن شاكرين ، كما تقدم عند قوله تعالى قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين. وجملة قل الله ينجيكم منها تلقين لجواب الاستفهام من قوله من ينجيكم أن يجيب عن المسئولين ، ولذلك فصلت جملة قل لأنها جارية مجرى القول في المحاورة ، كما تقدم في هذه السورة. وتولى الجواب عنهم لأن هذا الجواب لا يسعهم إلا الاعتراف به. (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) - ماهر المعيقلي - YouTube. وقدم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة الاختصاص ، أي الله ينجيكم لا غيره ، ولأجل ذلك صرح بالفعل المستفهم عنه. ولولا هذا لاقتصر على قل الله. والضمير في منها للظلمات أو للحادثة. وزاد ومن كل كرب لإفادة التعميم ، وأن الاقتصار على ظلمات البر والبحر بالمعنيين لمجرد المثال.
وقال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه البحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض، وذلك أن الأغلب من معاني السجر: الإيقاد، كما يقال سجرتُ التنور بمعنى أوقدت، أو الامتلاء.. فإذا كان الأغلب من معاني السجر وكان البحر غير موقد اليوم وكان الله تعالى ذكره قد وصفه بأنه مسجور فبطل عنه إحدى الصفتين وهو الإيقاد، صحّت الصفة الأخرى التي هي له اليوم وهو الامتلاء لأنه كل وقت ممتلئ.
وأما الحبة فالمقصود: ما يخرج من بطن أمه حياً، قال الله عز وجل: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ [الأنعام:59]، ولا حبة، انظروا حبة قمح، حبة شعير، حبة ذرة. سعة علم الله تعالى دلالة الآية على إثبات القدر تفسير قوله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار... ) يقول لله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأنعام:60]. تفسير: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية). نعمة الله على عباده بخلق الليل المراد بالوفاة في قوله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل... ) أنواع تعلق الروح بالبدن قد مضى معنا الكلام مراراً أن تعلق الروح بالبدن على خمسة أنواع: التعلق الأول: تعلق الروح بالبدن والإنسان في بطن أمه، الإنسان يتحرك في بطن أمه والأم تشكو وتقول: فلان منذ الصباح وهو يرفس في بطني، كأنه يتعجل الخروج، هذا تعلق للروح بالبدن؛ فلا تستغرب كيف وهو في هذا الوعاء المغلق يعيش؛ لأنه يعيش بقدرة ربنا. قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداكا قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاكا قل للوليد بكى وأجهش بالبكا ء لدى الولادة ما الذي أبكاكا قل للبصير وكان يحفر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواكا بل سائل الأعمى خطا بين الزحام بلا اصطدام من يقود خطاكا الله أنشأ كل ذاك بفضله فتبارك الخلاق منشئ ذاكا فالجنين الروح موجودة فيه ولها تعلق ببدنه.
وأقول: لا يصح إطلاق الظلمة على كل شدة ، بل على الشدة التي لها عاقبة سيئة مجهولة تخشى ولا تعلم ، فهو يرجع إلى معنى الجهل. والتضرع: المبالغة في الضراعة وهي الذل والخضوع ، وقال الراغب: هو إظهار الضراعة بعد أن فسرها بالضعف والذل ، والإظهار قد يكون إظهار ما هو واقع وقد يكون إظهار ما هو غير واقع على سبيل الرياء ، والمراد بالتضرع هنا ما هو صادر عن الإخلاص الذي يثيره الإيمان الفطري المطوي في أنفس البشر.