يصل بنا كارلوس زافون إلى محطته الأخيرة من سلسلة مقبرة الكتب المنسي، متاهة الأرواح هي الحلقة الرابعة بعد سجين السماء، لعبة الملاك وظل الريح. رواية متوقّدة، لا تقلّ عن سابقاتها من حيث الحماسة والإثارة والتشويق. تعود بنا مرة أخرى إلى تلك الأزقة الضيقة التي يكتنفها غموضٌ مريب ولغزُ عصيب، ما بين برشلونة الزاهية ونقيضها اللعين، لتغدو المدينة مثل دوائر الجحيم يحوي بعضُها بعضًا. نقابل فيها وجوهًا جديدة، تنضم إلى الشخصيات السابقة وتتفاعل معها، وبدلًا من إرشادنا إلى ختمةٍ نهائيةٍ للرباعية، تتفتح الصفحات على سيناريوهات مختلفة، فتتسع لتشمل أمكنة أخرى، وتتعمّق في الحديث عن أزمنةٍ مهّدت للحرب والمأساة وما تبعها من أعوام التسلّط والقهر والخور. متاهة الأرواح، متاهة النهايات. لعبة أتقنها الروائي الذي كلما لملم الأوراق بعثرها، حبكة تعلّق بها القارئ الذي كلما استشفّ احتمالًا واردًا لنهايةٍ معقولة في سلسلة مقبرة الكتب المنسي، فوجئ بالسرد ينعطف به إلى رؤية مغاير. يُقدّم لنا زافون نموذجًا مميزًا على مرونة الرواية وقدرتها على السلاسة والتكثيف، كما يحتفي بعالم الكتب وفنون صوغ الحكاية، والعلاقة السحرية التي تتوطّد ما بين الأدب والحياة.
باعتبارها أخر من بقي من زمن الحكاية القديمة، ويقع على عاتقها مهمة الروي المباشر والمقصود الذي أنهى تشابك عُقدًا في المصائر والوقائع. خوليان الذي ولد في ظروف استثنائية، وعاش حياة غامضة اسبابها كثيرة، تبدأ من إختفاء كل رواياته منتهيةً بموته الغامض، ليكتشف دانيال الكثير عن هذا الـ "خوليان"… هنا ستعيش أحداثاً كثيرة مع أبطال الرواية… ستعيش حرباً أهلية، سترى الفساد بشتى أشكاله وطوائفه، ستعيش حرباً من نوعٍ آخر، حرباً نفسية تشعل نيراناً تتلظى القلوب، ستعيش الحب والانكسار، ستتلوى من لوعة الفراق، وخيانة الأصدقاء وغدر الحياة… بين هذه الصفحات جملةٌ من الكلمات والمواقف التي ستبقى عالقةً في ذهنك. مراجعة كتاب أسرار عقل المليونير إتقان لعبة تحقيق الثراء ت. هارف إيكر مراجعة كتاب فن اللامبالاة مارك مانسون مراجعة رواية 1984 جورج أورويل وبين دانييل الصغير وخوليان المختفي، تُخلد مقبرة الكتب حكايات المدينة التي تغيرت خلال فترة الحكم الدكتاتورية، والتي مرت منها حرب أممية اهتز لها ماضي المدينة وحاضرها، فلم تجد فرصة أمام التغييرات المتسارعة لسرد قصتها إلى أن كَبُرَ دانييل وعاد خوليان، الاسمين اللذين لن ينساهما القارئ بعد غرقه في عوالم برشلونية سحرية وغامضة، تروي بخطى سريعة من عشرينيات إلى خمسينيات القرن العشرين، حكايةً عن ضيّر التخفي والتسلط، وأزمات أخرى لوجود الديكتاتوريات وتأثيرها على حاضر المدن ومستقبلها.
فضلًا شارك في تحريرها. ع ن ت
ـ غالباً ما كان المؤلِّف يبدأ أجزاء الرواية بشيء من الرومانسية أو ينهي بعضها بالرومانسية أيضاً، على الرغم من قسوة المشاهد وفظاعتها لتكون بمثابة التهيئة النفسية للشخصيات. ــ كان العنصر اللافت في الأحداث امتلاك بعض الشخصيات روح الدعابة على الرغم من قسوة المشاهد التي تمر فيها، هذا ما أضفى جوا من المرح، وبدد شيئاً من توتر المتلقي أثناء مروره في مواقع مؤلمة. ــ استطاع المؤلِّف أن يسرد نهاية "سالغادو" بطريقة تفصيلية شبه غامضة في كيفية الوصول إلى خزانة المجوهرات، وموته عندما رأى الحقيبة فارغة، علماً أنه استطاع الحصول على المفتاح من "فرمين" ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاع "فرمين" الاحتفاظ بالمفتاح أثناء هربه من السجن، وقد سرقه من جدار زنزانة "سالغادو" وخاصة أنه كان شبه ميت أثناء عثور الناس عليه، وقد بدلوا له ثيابه، وظل في شبه غيبوبة لمدة طويلة؟! هذا السؤال لا وجود للإجابة عليه في الرواية. ـ يحاول المؤلِّف الإمساك بكل خيوط الرواية بمهارة، فلا يترك خيطاً إلا ويحكم نسجه في ثوب الرواية، وذلك في التنقل برشاقة بين أعوام الأحداث. ــ في الفصل الرابع الذي بعنوان "الشك" يعود المؤلِّف لإثارة شك "دانيال" في زوجته "بيا" فليهث المتلقي خلفه حتى يصل الفندق الذي نزل فيه "كاسكوس" خطيب زوجته السابق، فيتفاجأ بأن من كتب الرسالة لزوجته هو "فايس" مدير السجن.