وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( ومن الناس من يعبد الله على حرف)... ومنهم من يعبد الله على حرف. إلى قوله ( انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) قال: الفتنة البلاء، كان أحدهم إذا قدم المدينة وهي أرض وبيئة، فإن صحّ بها جسمه ، ونُتِجت فرسه مُهرا حسنا، وولدت امرأته غلاما رضي به واطمأنّ إليه وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا ، وإن أصابه وجع المدينة ، وولدت امرأته &; 18-576 &; جارية وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرّا، وذلك الفتنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي بكر، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد في قول الله ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) قال: على شكّ. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( عَلَى حَرْفٍ) قال: على شك (فإن أصابه خير) رخاء وعافية ( اطمأن به) اسْتَقَرَّ (وإن أصابته فتنة) عذاب ومصيبة (انْقَلَبَ) ارتد ( على وجهه) كافرا.
يحاول الإنسان عبثا أن يتمرد على فطرته ودينه بأي شكل من الأشكال. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٠ - الصفحة ٢٩٥. وأخشى ما نخشاه هو على فئة مقلدة فيها خير كثير، ولكن الإيمان لم يتمكن في قلوبها، وهي تبع لما تراه وتقرأه من أفكار تلامس الواقع، فيكون القرار البعيد عن الصواب. وهنا نقول إن لله تعالى أن يبتلي عباده بما يشاء، وهو الذي يداول الأيام بناء على درجة التزامنا. لقد عشنا تاريخا مجيدا وحضارة رائعة، وكل نقاط الضعف في تاريخنا هي بسبب منا، حين تخلينا عن المنهج، ووعد الله لا يتخلف: "… إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ…" (محمد، الآية 7)، "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ…" (الأعراف، الآية 96)، "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ" (النحل، الآية 112)، وهكذا. ونؤمن بأن الله ناصر دينه ولو بعد حين، ولكن لا بد من أخذ بالأسباب، ثقة بالله وعمل دؤوب، "… وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" (يوسف، الآية 21).
الخطبة الأولى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وقـولـه: { يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ} [الحج: 12]، نفى عام، كما فى قوله: { وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه:89]، فهو لا يقدر أن يضر أحدًا سواء عبده أو لم يعبده، ولا ينفع أحدًا سواء عَبَدَه أو لم يعبده، وقول من قال: لا ينفع إن عُبِدَ، ولا يضر إن لم يُعْبَد، بيان لانتفاء الرغبة والرهبة من جهته، بخلاف الرب الذي يكرم عابديه، ويرحمهم، ويهين من لم يعبده ويعاقبه.
إنه يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه يدعو صنما أو وثناً على طريقة الجاهلية الأولى أو يدعو شخصاً ، أو جهة أو مصلحة... على طريقة الجاهليات الكثيرة المتناثرة.. في كل زمان ومكان.. كجاهلية هذا القرن... التي تستبعد حكم الله وشرعه عن الحياة فتجعل بعض البشر عبيداً آنذاك وبعضهم آلهة مستكبرين.
فقال: إن الإسلام لا يقال. فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيراً ذهب بصري ومالي وولدي. فقال: يا يهودي إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب). ذكره الذهبي في الميزان والقرطبي والسيوطي في الدّر. يعبد الله على حرفه. هذا الانسان المذبذب خسر دنياه وآخرته وضيع نفعهما وأصبح يتخبط في شقاء دائم... خسر العزّة والكرامة والطمأنينة. وبعد: فهذه الآية الكريمة تبين لنا صفة من صفات ضعف الايمان وهي التقلب في عبادته، فإذا أصابته مصيبة اضطرب وترك صلاته فلم تصقله. أما صاحب الايمان القوي فإن المصيبة تزيد في ايمانه وتقواه. فهذا الانسان الذي عبد الله على حرف أي طرف من الدين يبقى إيمانه مزعزعاً مضطرباً قلقاً فأي حدث يصيبه من خسارة وهزيمة ينحرف بسببه عن الصواب، ويتشاءم مما أصابه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين