منهج ابن حزم في البحث بدأ ابن حزم طلبه للعلم بحفظ القرآن الكريم، ثم رواية الحديث، وعلم اللسان، فبلغ في كل ذلك مرتبة عالية، ثم اتجه من بعد ذلك إلى الفقه، فدرسه على مذهب الإمام مالك؛ لأنه مذهب أهل الأندلس في ذلك الوقت، ولكنه كان مع دراسته للمذهب المالكي يتطلع إلى أن يكون حرًّا، يتخير من المذاهب الفقهية ولا يتقيد بمذهبٍ؛ ولذلك انتقل من المذهب المالكي إلى المذهب الشافعي، فأعجبه تمسُّكه بالنصوص، واعتباره الفقه نصًّا أو حملاً على النص، وشدة حملته على من أفتى بالاستحسان. ولكنه لم يلبث إلا قليلًا في الالتزام بالمذهب الشافعي، فتركه لمَّا وجد أنَّ الأدلة التي ساقها الشافعي لبطلان الاستحسان تصلح لإبطال القياس، وكل وجوه الرأي أيضًا. ثم بدا له أن يكون له منهجٌ خاصٌّ وفقهٌ مستقل، فاتَّجه إلى الأخذ بالظاهر، وشدَّد في ذلك، حتى إنَّه كان أشدَّ من إمام المذهب الأوَّل داود الأصفهاني. ثناء العلماء على ابن حزم قال الأمير أبو نصر بن ماكولا: "كان فاضلًا في الفقه، حافظًا في الحديث، مصنِّفًا فيه، وله اختيارٌ في الفقه على طريقة الحديث، روى عن جماعةٍ من الأندلسيِّين كثيرة، وله شعرٌ ورسائل". وقال الحافظ الذهبي: "ابن حزم الأوحد البحر، ذو الفنون والمعارف... ".
وقد كان ابن حزم كثير الاعتداد بنفسه، لدرجة أنهُ نعَى نفسهُ قبل وفاته قائلاً: كـــــأنَّكَ بالزُّوَّار لي قد تبــــادروا.. وقيــل لَهُم: أودى علي بن أحمد فيا رب محزون هنـــاكَ وضـاحِـــكٍ.. وكَـــمْ أدمع تذرى وخذ مقدد عفا الله عني يوم أرحــلُ ظــاعِنَـاً.. عَـن الأهلِ محمولاً إلى ضيقِ ملحَدي وأتركُ مــــا قد كُنْتُ مرتبِطَـــــاً بـِـهِ.. وألقى الذي أُنسيت دهراً بمرصدِ فَــوَا رَاحتي إن كـــــانَ زادي مُقـدَّمــــاً.. ويـا نَصَبي إن كنتُ لم أتزوَّدِ وقال المنصور من الموحدين لدى وقوفهِ على قبره: "كُلُّ العُلَمَاء عيال على ابن حَزْم".
سابعاً: وفضلاً عمّا سبق في النقطة السابقة، فإنّ التأثر بالأدب أو الفكر الديني المسيحي يغيب عن الكتاب الذي حكم دورزي على صاحبه من خلال بأنه تأثّر بالعفاف المسيحي بل على العكس الكتاب تأثّر بالتراث والحبّ الشريف، ويورد أمثال وحكم وكلام الفلاسفة العرب وغير العرب، كما يورد أسمار وأسماء ملوك وقادة وعائلات العرب والمسلمين. ثامناً: إنّ كتاب طوق الحمامة بما فيه من عذرية وعفة متأثر بشكل رئيسي بكتاب (الزهرة) لصاحبه (محمد بن داوود الظاهري). مما ينفي تأثره بالعفّة المسيحية. وقد قال الأستاذ غرسيه غومس في تفنيد ذلك إنّه على الرغم من إشارة نصيّة بسيطة ومن التوافق في الاتجاهات العاطفيّة، فإنّ الطوق لايكاد يدين للزهرة بشيء أو إن شئت يدين لها بشيء محدود للغاية. ولكن دراسته حياة وكتاب ابن حزم تثبت على عكس غرسيه إليه، فابن حزم يذكر إنّه قد حفظ الكثير في صغره، كما أنّه يرى في ابن داود إماماً ظاهريّاً يستحق التقدير، لأنّه أمام يكتب في الحبّ، دون أن يعبأ بنقد الكارهين. ومن السهل أن يضع الدارس على مواطن التأثر بهذا الكتاب في مثل المنهج والمواضيع المتشابهة، والتقارب في المنحى العام في المقدمة والخاتمة، وفي عدم إيراد شعر الشعراء بل الاكتفاء بإيراد شعر المؤلف.
أما أهم ما قيل في إبن حزم، ما ذكره "مروان بن حيان": "كان إبن حزم – حامل فنونٍ من حديثٍ وفقهٍ وجدلٍ ونسبٍ، وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله كتب كثيرة لم يخلُ فيها من غلطٍ؛ لجرأته في التسوّر على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زلّ هنالك، وضلّ في سلوك المسالك، وخالف أرسطاطاليس واضع الفن مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض (... )". يتوزع الكتاب على عدة عناوين نذكر منها: إبن حزم في سير النبلاء، الذهبي في سير النبلاء، قيمة هذه الرسالة من سير النبلاء، نموذج من خط الذهبي صاحب سير النبلاء، سيرة الإمام إبن حزم الأندلسي، تركه الوزارة وإقباله على العلم، حملة خصومه عليه وإنصاف الذهبي له، وكلام للذهبي في الإجتهاد... وعناوين أخرى ذات صلة.