وقصر فرساي أحدث عهدا من قصر اللوفر؛ وقد بدأ قصرا متواضعا أنشأه لويس الثالث عشر؛ ولكن ولده لويس الرابع عشر فكر في أوائل حكمه في توسيع البناء وتحويله إلى قصر ملوكي عظيم الشأن، فعهد بذلك إلى المهندس (لي فان) أشهر مهندسي العصر، وخلفه في تلك المهمة المهندس مانسار، ثم دي كوتيه؛ وقام بتنظيم البستان وإنشائه (لي لوتر) وأشرف على زخرفة القصر الفنان (لي بران) وكلهم من أعلام هذا العصر الزاهر، فجاء القصر وبستانه آية من آيات الفخامة الملوكية والفن الرائع. وقد كان القصر في المبدأ مصيفا ومقاما مؤقتا للملك وخاصته، ولكنه غدا في عصر لويس الخامس عشر مقرا للملك والبلاط، وكان لويس الخامس عشر يؤثر الإقامة فيه ويمضي فيه معظم أوقاته تحيط به خاصته، وتقيم فيه خليلاته إلى جانب زوجه الملكة الشرعية كما سنرى.
وحينما وقفت في (بربنيان) تذكرت أنها كانت مجاز الجيوش الأندلسية إلى غاليس، وأن عرب الأندلس كانوا يفضلون اجتياز جبال البرنيه من الناحية الشرقية من ممر بربنيان، مخترقين قطلونية إلى (الثغر) ثم يتجهون بعد ذلك شمالاً إلى أقاليم الرون، أو غرباً نحو (اكوتين)؛ بيد أنه توجد إلى جانب ممر بربنيان ممرات أخرى كان يتدفق منها عرب الأندلس إلى جنوب فرنسا، وأشهرها ممر (رونشفال) الشهير الذي يسميه الإدريسي (باب الشزري). ولرونشفال ذكرى خالدة في التاريخ والقصص الفرنسيين، فقد كانت مسرحاً للموقعة الشهيرة التي مزق فيها العرب جيش كارل الأكبر (شارلمان) حين عوده من غزوته لأسبانيا الشمالية، التي نظم فيها رولان وصيف شارلمان أنشودته الشهيرة وإن السائح المتجول ليتساءل حين يتأمل تلك الوهاد كيف استطاع العرب الذين برزوا من بسيط الصحراء إلى الغزو أن يجتاحوا تلك الهضاب الوعرة، وأن يحرزوا النصر الباهر في هاتيك السهول النائية على حين أن أعداءهم أعرف بطبائعها وجنباتها. قصر فرساي من الداخل قصة عشق. ولقد كان اجتياز جبال البرنيه الشامخة أعجوبة في التاريخ القديم، ولكن العرب اجتازوا تلك الربى الهائلة واقتحموها مراراً في سبيل الفتح. ولقد خالجني مثل هذا الشعور حينما اجتزت صحراء العرب منذ بضعة أعوام، وأذكى القفر الشاسع خيالي، فتساءلت كيف استطاعت الجيوش العربية الزاخرة أن تجتاح هذا القفر الرائع في عصر كان التنقل فيه محفوفاً بأعظم المشاق؟ وكيف كانت هذه الجيوش تمون نفسها بالزاد والماء خلال أسابيع طويلة تستقبل فيها الشمس المحرقة والرياح السافية؟ أجل لقد كان اجتياز الجيوش الإسلامية في مختلف العصور لصحراء العرب وصحارى الشام وشمال إفريقية أعجوبة من أعاجيب العصر، بل إن اجتياز هذه الصحارى في عصرنا يعتبر عملاً من أعظم الأعمال الحربية.
وحينئذ أحاط به منفذو الحكم وألبسه الجلاد الخف وحين ضغط على الزاوية الأولى أجبرته على الصراخ الشديد، فأقر بأن الموسيو (غوتيه) وكيل عضو في البرلمان والمسيو (له متر) الذي كان يسكن في شارع الماسونيين هما اللذان دفعاه إلى الجريمة. فصدر الأمر في التو بتوقيف هذين الشخصين. وعندما ضغط على الزاويتين الثانية والثالثة صاح من جديد صيحة ألم، وفي الرابعة طلب العفو. ولما وصل المتهمان الجديدان (غوتيه) و (له متر) واجهوهما بداميان فرجع عن إقراره عنهما. قصر فرساي من الداخل الحلقة. فأعيد إلى العذاب ثانية وضغطوا على الزاوية الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة من الخف، وهنا أعلن الأطباء الجراحون بأن المجرم لم يعد في طاقته تحمل تجربة جديدة، وقد دام التعذيب ساعتين وربع الساعة. ولما دقت ساعة القصر الرابعة تقدم (جيرائيل سانسون) من المسيو (غه ره) والمسيو (مارسيللي) وقال لهما إن ساعة التنفيذ قد حانت. ومع أنه تكلم بصوت خافت فقد سمعه (داميان) الذي دمدم بصوت مخنوق (نعم بعد قليل يخيم الليل) وبعد فترة قال: (أواه، غداً يكون نهاراً لهم). وحينما وصل (داميان) إلى أسفل الصقالة طلب أن يكلم مفوضي الشرطة فحمل إلى (الأوتيل ده فيل) حيث استدرك من جديد الاتهام ضد (غوتيه) ثم أوصى المسيو (باسكيه) بزوجته وابنته.
ولما حضر داميان أمام محكمة تورنل في 17 آذار، دافع بأنه ما كان يرغب إلا في إنذار الملك وحمله على عزل وزرائه وفي الحادي والعشرين من ذلك الشهر أرسل إليه الكاهن (كه رمت) خوري كنيسة القديس بولص ليعظه حتى يحمله على قول الحقيقة وفي السادس والعشرين من الشهر المذكور اجتمعت المحكمة الكبرى المؤلفة من أمراء البيت المالك والدوقات والرؤساء والقضاة والمستشارين.