** ورد عند القرطبي قوله تعالى: " وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ". إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة المدثر - قوله تعالى وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة - الجزء رقم30. (*) قال ابن عباس وقتادة والضحاك: لما نزل: "عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ" قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم! أسمع بن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر ، وأنتم الدهم ( أي العدد) والشجعان ، فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم! قال السدي: فقال أبو الأسود بن كلدة الجمحي: لا يهولنكم التسعة عشر ، أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة ، وبمنكبي الأيسر التسعة ، ثم تمرون إلى الجنة ؛ يقولها مستهزئا * في رواية: أن الحارث بن كلدة قال أنا أكفيكم سبعة عشر ، واكفوني أنتم اثنين.
وقوله: ( وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) قال مجاهد وغير واحد: ( وَمَا هِيَ) أي: النار التي وصفت ، ( إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) " انتهى باختصار. تفسير القرآن العظيم " (8/268-270) وقال العلامة السعدي رحمه الله: " ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) من الملائكة ، خزنة لها ، غلاظ شداد ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون. وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً) وذلك لشدتهم وقوتهم. وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يحتمل أن المراد: إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة ، ولزيادة نكالهم فيها ، والعذاب يسمى فتنة ، كما قال تعالى: ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ). ويحتمل أن المراد: أنا ما أخبرناكم بعدتهم إلا لنعلم مَن يُصَدِّق ومَن يُكذب ، ويدل على هذا ما ذكر بعده في قوله: ( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا)، فإن أهل الكتاب إذا وافق ما عندهم وطابقه ازداد يقينهم بالحق ، والمؤمنون كلما أنزل الله آية فآمنوا بها وصدقوا ازداد إيمانهم. وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي: ليزول عنهم الريب والشك.
ثم يحتمل أنه يريد الذين آمنوا منهم كعبدالله بن سلام. ويحتمل أنه يريد الكل. ويزداد الذين آمنوا إيمانا بذلك; لأنهم كلما صدقوا بما في كتاب الله آمنوا ، ثم ازدادوا إيمانا لتصديقهم بعدد خزنة جهنم. ولا يرتاب أي ولا يشك الذين أوتوا الكتاب أي أعطوا الكتاب والمؤمنون أي المصدقون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر. وليقول الذين في قلوبهم مرض أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل المدينة ، الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ولم يكن بمكة نفاق وإنما نجم بالمدينة. وقيل: المعنى; أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة. والكافرون أي اليهود والنصارى ماذا أراد الله بهذا مثلا يعني بعدد خزنة جهنم. وقال الحسين بن الفضل: السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق; فالمرض في هذه الآية الخلاف و ( الكافرون) أي مشركو العرب. وعلى القول الأول أكثر المفسرين. ويجوز أن يراد بالمرض: الشك والارتياب; لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين ، وبعضهم قاطعين بالكذب ، وقوله تعالى إخبارا عنهم: ماذا أراد الله أي ما أراد بهذا العدد الذي ذكره حديثا ، أي ما هذا من الحديث. قال الليث: المثل الحديث; ومنه: مثل الجنة التي وعد المتقون أي حديثها والخبر عنها.