2- أنَّ المعروف عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - قبل حادِثة الإفْكِ الصونُ والبُعد عن مُقَدِّمات الفجور، ومَن كان كذلك، كان اللائقُ إحسانَ الظنِّ به. 3- أنَّ القاذِفين كانوا من المنافقين وأتْباعهم من الشيعة الروافض، الذين عُرِف عنهم العَداءُ والافتراء على أصحاب رسول الله وآل بيته، فكلامُهم مَحض افتراءٍ وهَذَيان. فعندما يطعنُ الشيعة أُمَّ المؤمنين عائشة، فمعنى ذلك طَعْنٌ في الدِّين والرسالة، والعقيدة الإسلاميَّة؛. فإنْ قيل: كيف يجوز أنْ تكونَ امرأة النبي كافرةً، كامرأة نوح ولوط، ولم يَجُزْ أنْ تكون فاجرةً؟! لا تحسبوه شرا لكم - موقع مقالات إسلام ويب. فالجواب عن ذلك: أنَّ الكفر ليس من المنفرات، أمَّا الفجور فمن المنفرات، وخيانة زَوجَتَي نوحٍ ولوط ليستِ الفجور، إنمَّا النفاق وإخفاء الكفر، وتظاهرُهما على الرسولَين، وقيل: خيانتهما في الدِّين؛ فعن ابن عباس أنَّه قال: " ما بَغَتْ زوجةُ نبيٍّ قطُّ ". فقد جاء في الصحيحين عن أبي موسى، وعن أنس - رضي الله عنهما - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فضْلُ عائشة على النساء كفضلِ الثَّرِيد على سائر الطعام)). وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: "قلتُ: يا رسول، أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، قلتُ: ومِن الرجال؟ قال: ((أبوها))، قلتُ: ثُمَّ مَن؟ قال: ((عُمر))، وسَمَّى رجالاً".
وهذا مبدأٌ عامٌّ، فكلُّ قَدَرٍ إلهيٍّ كونيٍّ، أَلَمَّ بالمؤمن؛ فليتذكّر عنده قول الله تعالى: { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} ونحو هذا، وقوله سبحانه: { فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [ النساء من الآية:19]، وليعتقد بخيريّة البلاء الّذي وقع به، متفائلًا بما سوف يعقُبُه بإذن الله من الخير العميم، إذا أخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك. وكما استُثنيَ المنافقون من هذه الخيريّة، في سياق الآية الكريمة، كذلك يُشترطُ للاعتقاد بخيريّة البلاء، والتّفاؤل بناءً عليه: أنْ لا يكون مقرونًا بوقوع معصيةٍ من المرء، بل إنّ مَنْ وقع في المعصية، فلا ينبغي أن يتفاءل بها خيرًا، ما لم يتُب منها توبةً صادقةً؛ كما بَيَّنَ شيخُ الإسلام. إعراب قوله تعالى: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو الآية 11 سورة النور. نعم؛ على الإنسان أنْ يرضى بالقَدَر الإلهيّ الكونيّ، ويتفاءل موقنًا بأنّه -لا شكّ- خيرٌ له. ومِنْ مقتضى صدق يقينه وصحّة تفاؤله: أنْ يجتهد في سياق الحَدَثِ نفسه على الالتزام بمقتضَى ما ورد في القَدَر الإلهيّ الشَّرعيّ، من الأمر والنّهي ومدافعة آثار هذا القَدَر. ومن أعظم ما يُعِينُ المرءَ على تحقيق هذه المعاني القدريّة، ويُهوِّنُ عليه المصائب: تعظيمُ الله عز وجلّ في قلب المؤمن، فإنّه يُيسّرُ له حسن التّعامل مع أقدار الله الكونيّة، والاستعانةِ عليها بأقداره الشرعيّة، الأمر الّذي يوفِّق صاحبَه بإذن الله إلى الحِكْمة والصواب، وقَطْع دابر كلّ الوساوس.
الخطبة الأولى: أيها المسلمون: تشهد السنوات الأخيرة -وإلى الآن- حرباً شرسة من اليهود والنصارى والمنافقين، على الإسلام وأهله، تدور رحاها في أكثر بلاد المسلمين، وهذه سنة الله في تمحيص أوليائه: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)[الأنعام: 112]. ومن هذه الآية: نفهم أن العداوة والصراع سنَّة من سنن الله تواجه المؤمنين الصادقين، فهي معركة تتجمع فيها قوى الشر وتتعاون وتتحد لحرب المؤمنين الصادقين الذين يقفون في وجه الباطل ويقولون له: أنت باطل!. وهذه الحرب على الإسلام لا تدل على ضعفه، بل هي ظاهرة تدل على أن الإسلام بدأ بأتباعه يشكِّل مصدر خطر ورعب على أعدائه. لكن أيضاً نحن نجزم أن وراء هذه الابتلاءات الخير الكثير، ربما لا نتصوره الآن لهول المصيبة، ولكنه سيظهر قريبا -بإذن الله-: ( لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)[النور: 11]. "لا تحسبوه شرًا لكم".. أين الخير في حادثة "الإفك"؟.. "الشعراوي" يجيبك. ( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء: 19]. وربما يسأل سائل، فيقول: هل تعني أن وراء هذه المحن والمصائب التي تحل بالمسلمين، منفعة وفائدة؟ المسلمون يُقتّلون، يُطاردون، ويُحاصرون، وتُلفّق عليهم التّهم العظام، وتقول لي: إن وراء ذلك فائدة ومصلحة؟!
7- ولما جاء الوحي ببراءتها، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن صرح بالإفك، فحُدُّوا ثمانين ثمانين، ولم يُحَدَّ الخبيث عبدالله بن أبيٍّ، مع أنه رأس أهل الإفك، فقيل: لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة، والخبيث ليس أهلًا لذلك، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، فيكفيه ذلك عن الحد، وقيل: بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه، ويخرجه في قوالب مَن لا يُنسَب إليه، وقيل: الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو ببينة، وهو لم يقرَّ بالقذف، ولا شهِد به عليه أحد، فإنه إنما كان يذكره بين أصحابه، ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكره بين المؤمنين.
ثم نامت السيدة عائشة في موضع هودجها تنتظر مَنْ يأتيها، وكان من عادة القوم أن يتأخر أحدهم بعد الرحيل ليتفقد المكان ويُعقب عليه، عَلَّه يجد شيئاً نسيه القوم أو شخصاً تخلَّف عن الرَّكْب. وكان هذا المعقِّب هو صفوان بن المعطل، فلما رأى شبحَ إنسان نائم فاقترب منه، فإذا هي عائشة رضي الله عنها، فأناخ ناقته بجوارها، وأدار وجهه حتى ركبتْ وسار بها دون أن ينظر إليها وعَفَّ نفسه، بدليل أن القرآن سمَّى ما قالوه إفْكاً يعني: مناقضاً للواقع، فصفوان لم يفعل إلا نقيض ما قالوا. ولما قَدِم صفوان يقود ناقته بعائشة رآه بعض أهل النفاق فاتهموهما، وقالوا في حقهما مَا لا يليق بأم المؤمنين ولما قَدِم صفوان يقود ناقته بعائشة رآه بعض أهل النفاق فاتهموهما، وقالوا في حقهما مَا لا يليق بأم المؤمنين ، وقد تولّى هذه الحملة رَأْسُ النفاق في المدينة عبد الله بن أُبيٍّ ومِسْطح بن أُثَاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش امرأة طلحة بن عبيد الله وأخت زينب بنت جحش، فروَّجوا هذا الاتهام وأذاعوه بين الناس. ثم يقول سبحانه: { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ.. } [النور: 11] لكن ما الخير في هذا الكلام وفي إذاعته؟ قالوا: لأن القرآن حين تُتَّهم عائشة وتنزل براءتها من فوق سبع سموات في قرآن يُتْلَى ويُتعبَّد به إلى يوم القيامة، وحين يُفضَح قوم على لسان القرآن، لا بُدَّ أن يعتبر الآخرون، ويخافوا إنْ فعلوا مخالفة أنْ يفتضح أمرهم؛ لذلك جاء هذا الموقف درساً عملياً لمجتمع الإيمان.