يقول الله: أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا ؟ حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرّزاق ، قال: أخبرنا الثوريّ ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال: قال خَبّاب بن الأَرَتّ: كنت قَيْنا بمكة ، فكنت أعمل للعاص بن وائل ، فاجتمعت لي عليه دراهم ، فجئت لأتقاضاه ، فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، قال: قلت: لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال: فإذا بُعثت كان لي مال وولد ، قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى: أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا... سبب نزول قوله تعالى: { أفرأيت الذي كفر بآياتنا }. إلى وَيأْتِيَنا فَرْدا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله وَوَلدا فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: وَوَلَدا بفتح الواو من الولد في كلّ القرآن ، غير أن أبا عمرو بن العلاء خَصّ التي في سورة نوح بالضمّ ، فقرأها: مالُهُ وَوُلْدُهُ. وأما عامّة قرّاء الكوفة غير عاصم ، فإنهم قرأوا من هذه السورة من قوله مالاً وَوَلَدا إلى آخر السورة ، واللتين في الزخرف ، والتي في نوح ، بالضمّ وسكون اللام. وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك إذا ضمت واوه ، فقال بعضهم: ضمها وفتحها واحد ، وإنما هما لغتان ، مثل قولهم العُدْم والعَدَم ، والحُزْن والحَزَن.
♦ الآية: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: مريم (77). من أقوال أعداء الشرائع : لأوتين مالاً و ولداً - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾؛ يعني: العاص بن وائل ﴿ وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ وذلك أن خبَّابا اقتضى دينًا له عليه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضةً؟ ولئن كان ما تقولون حقًّا، فإني لأفضل نصيبًا منك، فأخِّرني حتى أقضيك في الجنة استهزاءً، فذلك قوله: ﴿ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾؛ يعني: في الجنة. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا عمر بن حفص، أنا أبي، أنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، حدَّثنا خباب، قال: كنت قَيْنًا فعملت للعاص بن وائل، فاجتمع مالي عنده فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله، لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: أما والله حتى تموت ثم تُبْعَث فلا، قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: نعم، قال: وإنه سيكون لي ثَمَّ مال وولد فأقضيك، فأنزل الله عز وجل: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾.
وَفِي الحَدِيث: (ليليني مِنْكُم ذووا الأحلام وَالنَّهْي) ، وَقَالَت النُّحَاة: هَذَا من عطف الشَّيْء على مرادفه. والتقين التزين بأنواع الزِّينَة، وَقَالَت أم أَيمن: أَنا قينت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَي: زينها، والقين يجمع على أقيان وقيون، وقان يَقِين قيانةً: صَار قينا، وقان الحديدة قينا عَملهَا. وقان الْإِنَاء قينا أصلحه. وَفِي (التَّلْوِيح) وَفِي بعض الْأُصُول لم يذكر الْحداد.
إذ على الرغم من كل الآيات الكونية والسمعية، المبثوثة في كل مكان من العالم، يظل هذا الكافر يتمادى في غيِّه غاية التمادي، ويسترسل في كفره ويتطاول على خالقه، ولا يأبه بعواقب ذلك. ثم تأتي الآيات اللاحقة لترد على صاحب هذا الموقف المستعلي، وتنـزله من علياء عرشه؛ يقول تعالى: { أطَّلع الغيب} (مريم:78) يقول عز ذكره: أَعَلِم قائل هذا القول علم الغيب؟ فعلم أن له في الآخرة مالاً وولدًا، باطلاعه على الغيب! { أم اتخذ عند الرحمن عهدا} (مريم:78) أم آمن بالله وعمل بما أمره به، وانتهى عما نهاه عنه، فكان له بذلك عند الله عهد ووعد أن يؤتيه ما يقول من المال والولد؟!! { كلا سنكتب ما يقول} (مريم:79) من طلبه ذلك، وحكمه لنفسه بما يتمناه، وكفره بالله العظيم، { ونمد له من العذاب مدا} (مريم:79) أي: في الدار الآخرة على قوله ذلك، وكفره بالله في الدنيا، { ونرثه ما يقول} (مريم:80) أي: من مال وولد نسلبه منه، عكس ما قال إنه يؤتى في الدار الآخرة مالاً وولدًا، زيادة على الذي له في الدنيا، بل في الآخرة يسلب منه الذي كان له في الدنيا، ولهذا قال تعالى: { ويأتينا فردا} (مريم:80) أي: خالي الوفاض من المال والولد، وما جمع من الدنيا، وما عمل فيها؛ لا يتبعه مال ولا ولد، ولا قريب ولا بعيد، ولا قليل ولا كثير.