أخذته العزة بالإثم لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي اضغط هنا جودة الطباعة - ألوان جودة الطباعة - أسود ملف نصّي أخذته العزة بالإثم قال الله تعالى: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ( البقرة: 206) — أي: وإذا نصح ذلك المنافق المفسد, وقيل له: اتق الله واحذر عقابه, وكف عن الفساد في الأرض, لم يقبل النصيحة, بل يحمله الكبر وحمية الجاهلية على مزيد من الآثام, فحسبه جهنم وكافيته عذابا, ولبئس الفراش هي. بالضغط على هذا الزر.. ما معنى...واذا قيل له اتقى الله..أخذته العزة بالاثم..؟. سيتم نسخ النص إلى الحافظة.. حيث يمكنك مشاركته من خلال استعمال الأمر ـ " لصق " ـ
قال فمروا بهذه الآية: " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " ، " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد " قال ابن زيد: وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال: فقال: وأي شيء قلت ؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قلت ؟ اقتتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم ، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم ، قال هذا: وأنا أشتري نفسي! ما معنى.قوله تعالى ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) وفى أى سورة. فقاتله ، فاقتتل الرجلان! فقال عمر: لله بلادك يا ابن عباس. وقال آخرون: بل عنى به الأخنس بن شريق ، وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى. [ ص: 246] وأما قوله: " ولبئس المهاد" ، فإنه يعني: ولبئس الفراش والوطاء جهنم التي أوعد بها جل ثناؤه هذا المنافق ، ووطأها لنفسه بنفاقه وفجوره وتمرده على ربه.
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد هذه حال الطغاة يرتكبون ما يرتكبون ، وينزلون بالناس ما ينزلون ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا; وقد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا ، وإذا كانت النوازل تنزل بالضعفاء لم يلتفتوا إليها لعماية الطغيان وفساد البصر والمدارك ، فإذا تقدم أحد الناس مرشدا واعظا نهروه ، وربما امتدت إليه أيديهم بالأذى ، وأخذتهم العزة; أي الاستعلاء الجاهلي وحماقة الكبرياء; ودفعتهم الجرائم إلى إثم آخر فوق إثم الطغيان ، وفوق ما ارتكبوا من آثام ، وما أنزلوا بالضعفاء من آلام. والباء في قوله تعالى: ( بالإثم) إما أن تكون بمعنى المصاحبة والاقتران ، والمعنى على هذا أخذتهم العزة واستولت عليهم مقترنة بالإثم مصاحبة له ، فهي ليست عزة محمودة ، بل كبرياء مبغوضة; أو تكون الباء للسببية بمعنى لام التعليل ، ويكون المعنى: أخذتهم العزة الغاشمة والعنجهية الظالمة بسبب الإثم الذي استغرق قلوبهم وأحاط بنفوسهم ، أي أنهم لفرط ما ارتكبوا من آثام ، قد أحاطت بهم خطيئاتهم فسدت مسارب الهداية إلى قلوبهم ، فإذا سمعوا كلمة الرشاد لم يتقبلوها ، وأنغضوا رءوسهم حاسبين أن ذلك إهانة لسلطانهم; وإصغار لشأنهم ، وما هو في حقيقة الأمر إلا حماية للسلطان ، وإكبار للأمر ، وخصوصا إذا كان من ناصح أمين.
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم. وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله: والله لا يحب الفساد وذلك لعدة أمور: أولا - لبيان أن الله لا يحب ذلك الصنف من الناس الذي يخدع الناس ويكذب على الله ، ويجادل ويماري ، ويضل عن بينة ، ويسعى في الأرض بالفساد; إذ الله لا يحب الفساد فلا يحب المفسدين ، ومن لا يحبه الله فهو بعيد عن رحمته ، معرض لنقمته. ثانيا - ولبيان أن الله سبحانه وتعالى لا يريد بما فرض من عبادات إلا مصلحة الناس ودفع الضر عنهم ، فهو الغني الحميد الذي لا يكسب من عبادة عابد; ولا يضار من فسق فاسق; إنما الأمر في ذلك إلى مصلحة الناس ودفع الضر عنهم. ثالثا - وفوق ذلك هذا التذييل يدل على أن شرع الله كله أساسه إقامة المصلحة ودفع المضرة ، فما من أمر شرعه الله إلا فيه جلب نفع أو دفع ضرر ، وأن دفع الضرر ، مقدم على جلب النفع ، وأن دفع الضرر العام مقدم على دفع الضرر الخاص ، وأن جلب المنفعة العامة مقدم على جلب المنفعة الخاصة. رابعا - وإن هذا التذييل فوق ذلك يشير إلى أن الله سبحانه استخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها لا ليفسدها، فأولئك الذين يبذلون الجهود العقلية ليصلوا [ ص: 644] إلى ما يدمر الأرض ويخربها ويجعلوا عاليها سافلها قد ضلوا عن سنة الله ، وخرجوا على قانون الفطرة وهم بعيدون عن محبة الله; لأنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
فيُؤخذ من هذه الآية من الهدايات: أن عزة النفس والمكابرة قد تحمل الإنسان على ركوب العظائم، ورد الحق، والنفور من نصح الناصحين، فيكون ذلك مانعًا من التوفيق والهداية، والرجوع والتوبة، فيبقى الإنسان سادرًا في غيه، لا يلوي على شيء، ولا ينتفع بنصيحة ناصح، فإن الإنسان قد يتذكر من قبل نفسه إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [سورة الأعراف:201] تذكروا عظمة الله، وعذابه، ووعده ووعيده، وحدوده، وما رُكز في نفوسهم من الفطر السليمة، وما علموه من الحلال والحرام، وما إلى ذلك، فيرجعون.
ولاحظوا هنا التعبير بالفعل المبني للمجهول وَإِذَا قِيلَ لَهُ ولم يقل: وإذا قال له الرسول ﷺ: اتق الله أخذته العزة بالإثم؛ لأن القائل لا تهم معرفته، فهو يكره الحق، ويجفوه، ويستنكف من قبوله، واتباعه، بصرف النظر عمن أمره باتباع هذا الحق، والرجوع إليه، فليست قضيته مع زيد، أو عمر، أو هو لا يريد أن يستجيب لأن فلانًا بعينه الذي يكرهه هو الذي أمره، أو نصحه، لا، وإنما وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أيًا كان هذا القائل، ومهما كانت مرتبته، أو الأسلوب الذي خاطبه به، أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فهذا يشمل كل قائل، وكل ناصح، ويدل على كراهة هذا المستنكف للحق نفسه.