إنه ملك الموت، وهذا يومك يا ابن آدم، وقد جاء إليك زائرا وقابضا، جاء إليك أنت، وما جاء لغيرك، وهذا يومك وهذه ساعتك، فلقد وفَّاكَ الله رزقك فلم يعد لك في الدنيا نصيب من طعام ولا شراب ولا هواء، ووفاك أجلك فلم يعد في عمرك بقية، قال ربنا: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]. فماذا أنت قائل وقتها وملك الموت داخل عليك؟ فمهما كان قولُك أو عذرك أو حجتك، ملك الموت لا يجيبك، ولا يرد عليك ولا يتأثر بكلامك، ولا يرق لحالك، ولو نطق لقال لك ليس لي من الأمر شيء، لو نطق لقال لك: أما تعلم يا ابن آدم أننا معاشرَ الملائكة، من صفاتنا، ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]؟. ابن آدم، لا تظن أنه بوسعك أن تفر من الموت وينفعك الفرار. قل ان الموت الذي تفرون منه ملاقيكم. ألم تسمع قول القوي العزيز الجبار: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 8]. نعم، إنه ملاقيك، في أي مكان كنت ستموت، قال ربنا: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78].
انتهى البث المباشر الذي كان يربطك بالدنيا، وانتقل بك إلى عالم الآخرة، فأنت بداخل ذلك القبر، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد. وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك، فماذا تتمنى يا ترى في تلك اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحًا، لتركع ركعة، لتسبّح تسبيحة، لتذكر الله تعالى ولو مرة؟! فها أنت على ظهر الأرض حيًّا معافى صحيحا، فحدد مسارك وهيئ مصيرك، وازرع الآن لتحصد غدا، وابنِ اليوم لتسكن غدا، إنك الآن تقدم وتعمل وغدا تجازى، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]. رُبَّما لَا نَلتَقِي ثَانيةً … – منار الإسلام. الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. لماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نكثر من ذكر الموت؟ (أكثروا ذكر هادم اللذات). لأن الإكثار من ذكر الموت مع فهم معناه هو الذي يُقَلِّم مخالب البغي، هو الذي يحطم أنياب الظلم والطغيان، تذكر الموت مع فهم حقيقته هو الذي يجتث الفساد من نفس كل إنسان. نعم معاشر الصالحين، تذكر الموت مع فهم حقيقته هو الكابح الذي يقي كل إنسان من الانزلاق في مهاوي الفساد والضلال.
هذا وصلوا وسلموا على صاحب اللواء المعقود والحوض المورود محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا اللهم أدم علينا نعمة الصحة والعافية. اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو ولاة أمرنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً. اللهم أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسق به البلاد والعباد واجعله زاداً للحاضر والباد. [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل: الآية 90). قصة "ملك الموت" تفتح شهية الروائيين الأجانب الخليج الجديد : برس بي. ـ وأقم الصلاة ـــ. الجمعة 29-1-1431هــ.