وروي عنه أنّه قال: ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين. يعني أنّ المؤمن كلما أذنب تاب. وقال عمر بن عبدالعزيز في خطبة له: أيها الناس من ألمّ بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال وإن الهلاك في الإصرار عليها. ومعنى هذا أنّ العبد لابدّ أن يفعل ما قُدر عليه من الذنوب كما قال النبي (ص): "إنّ الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة... " رواه مسلم. ولكن الله جعل للعبد مخرجاً مما وقع فيه من الذنوب ومحاه بالتوبة والاستغفار، فإن فعل فقد تخلص من شر الذنوب، وإن أصر على الذنب هلك. آثار المعاصي و الذنوب و طرق التخلص منها | المرسال. - عوامل تساعد على التخلص من المعصية: هناك عوامل تساعد المسلم على التخلص من المعصية مهما يكن نوعها، ومن تلك العوامل: الصلاة والسجود لله سبحانه وتعالى بخشوع القلب والجوارح، وكذلك الدعاء بأن يتوب الله تعالى عليه من كل المعاصي، والدعاء هو أعظم علاج للمذنبين، وهو الذي يساعدهم على الرجوع لله سبحانه وتعالى بصدق وأمانة، قال الله سبحانه وتعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل/ 62). وكم من رجل وامرأة كانا يجدان صعوبة في ترك بعض الذنوب، ولكن لما لجأوا إلى الله عزّ وجلّ وجدوا التوفيق والعون.
فهذا القسم لا كفارة فيه ولا تعزير. ما فيه كفارة، كالجماع في الإحرام، والجماع في نهار رمضان، وولاء المظاهر منها قبل التكفير، والقتل الخطأ، والحنث في اليمين، وهذا ليس فيه حدّ. ما ليس لا حدّ ولا كفارة فيه، وفيه التعزير وهي نوعان: – ما كان الوازع طبيعياً، مثل أكل العذرة، وشرب البول والدم. – وما كانت مفسدته أدنى من مفسدة ما رتب عليه الحدّ، كالنظر والقبلة واللمس والمحادثة وسرقة شيء تافه وغير ذلك. فنستنتج من العقوبات الشرعية المترتبة على المعاصي هي ثلاثة أنواع: حدّ مقدر، كفارة مقدرة، تعزير. إن المعاصي بالنسبة لترتيب هذه العقوبات الشرعية التي تترتب على المعاصي فهي أيضاً ثلاثة أنواع: – معصية فيها حدّ مقدرة فلا كفارة فيها ولا تعزير. – معصية فيها كفارة مقدرة فلا حدّ فيها بالاتفاق ولا تعزير. ما هي الأمور التي تعين على ترك المعاصي؟. – ومعصية لا حدّ فيها ولا كفارة وفيها تعزير.
تعسير أمور العبد وحوائجه إن الله ييسر لعباده الصالحين الذين يتقونه، ويتبعون أوامره، ويجتنبون نواهيه، قال تعالى: ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق:4]، وفي المقابل فإنّه يعسّر الأمور على من يعصيه من عباده، فيجد آثار الذنوب التي اقترفها في أبسط الأمور في حياته، فتكون حياته نكداً، وهمّاً، ويحرمه الله من توفيقه، ورضاه. ابن القيم يحدثنا عن المعاصي. المعاصي تزرع أمثالها المعاصي تتتابع على العبد؛ حيث يُولّد بعضها بعضاً؛ حتى يعزّ على العبد مفارقتها، فعند توقّف العاصي عن المعصية، فإنه بشعر بالضيق في صدره، إلا أن يتوب إلى الله توبة صادقة نصوحة، يتطهّر بها قلبه، ويعاهد الله على عدم الرجوع إلى المعصية. المعصية تورث الذل يجعل الله العبد الذي يقترف المعاصي والآثام، حقيراً، ذليلاً، كما أنه يحط من منزلته بين الناس، على عكس العبد الصالح التقي؛ حيث يجعل الله له منزلة رفيعة عند العباد، فيظهرون له الودّ، والاحترام، قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10]. الحرمان من دعوة رسول الله ودعوة الملائكة أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات في آيات كثيرة في القرآن الكريم، قال تعالى:( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [محمد: 19]، كما أنه جعل تارك المعصية ممن يشملهم هذا الاستغفار، أما إذا استمر في معصيته فإنّ ذلك يحرمه من استغفار الرسول، ودعوات الملائكة.
ولذا كان من دعاء بعض السلف: "اللهم أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك".
فدل على أن المتقين قد يقع منهم أحيانًا كبائر، وهي الفواحش، وصغائر، وهي ظلم النفس، لكنهم لا يصرون عليها، بل يذكرون الله عقب وقوعها، ويستغفرونه، ويتوبون إليه منها. والتوبة: هي ترك الإصرار على الذنب. ومعنى قوله: ﴿ ذَكَرُواْ اللهَ ﴾؛ أي: ذكروا عظمته، وشدة بطشه، وانتقامه، وما توعد به على المعصية من العقاب، فيوجب ذلك لهم الرجوع في الحال، والاستغفار، وترك الإصرار، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 20]، ثم ساق أدلة قبول الله جل وعلا لتوبة العباد، وفرحه سبحانه وتعالى بها منهم، جعلنا الله من عباده المتقين. وروى الإمام البخاري برقم (3465)، ومسلم (2743)، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غارٍ في جبل، فانحطت عليهم صخرة، فسدت عليهم الغار»، الحديث، وفيه: «فقال أحدهم: اللهم إنك تعلم أنه كان لي بنت عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها، فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت وجمعت ذلك، ثم جئتها بها، فلما وقعت بين رجليها، وجلست منها مجلس الرجل من امرأته؛ قالت يا عبد الله: اتَّق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، وتركت المال لها».
وقبل الصحابة كلهم منهم التوبة، على الرغم من أنّ الذي فعله المرتدون هو شر من الذي يفعله العاصي المسلم، فقبول التوبة من المسلم العاصي، ولو كانت متكررة، أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة. ولكن هذا بشرط أن تكون التوبة الأولى وما بعدها توبةً نصوحاً صادقة من قلب صادق، وألا تكون مجرد تظاهر بذلك. وهذا الكلام لا يُفهم منه أنه تشجيع على المعاصي وارتكابها مرة بعد مرة، ولا أن يجعل المسلم رحمة الله تعالى وتوبة الله تعالى عليه سُلماً للمعاصي، لا. إنما نريد أن نشجع العاصي على التوبة مرة بعد مرة، فالقصد هو أن يطمئن قلب المسلم الذي يريد أن يرجع إلى الله تعالى بأن باب الرحمن مفتوح، وأن عفو الله سبحانه وتعالى أكبر من معصيتك، فلا تيأس من رحمة الله تعالى وعُد إليه. قال الحافظ بن رجب الحنبلي: روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن عليّ، قال: "خياركم كل مفتن تواب". يعني كلما فُتن بالدنيا تاب. قيل: فإذا عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور". وقيل للحسن: ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثمّ يعود ثمّ يستغفر ثمّ يعود؟ فقال: ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملوا من الاستغفار.