والله أعلم.
وقال أيضا: ويحكى عن أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فتُرسي بنفسها وتتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد، فقالوا: هذا محال لا يمكن أبدا، فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟! وتحكى هذه الحكاية أيضا عن غير أبي حنيفة. 4ـ المقاييس العقلية: والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية، وقد قال الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ { الطور:35}.
ولوجود الله وصحة الإسلام أدلة قاطعة ظاهرة، فاعتمد على الأدلة واعتقد ما تدل عليه بيقين، ولا تلتفت للوساوس ولا تعتبر أن سببها هو شك منك بالضرورة، فكل إنسان قد يتعرّض لذلك من الشيطان ليحزنه ويدخله في دوامة ويفسد عليه صفو علاقته بالله، ويمكن أن تصيب أي دارس حتى المتخصصين، لأنها في حقيقتها وسوسة من الشيطان، ولأنّ عدو الله يغتاظ أكثر ما يغتاظ من سعي المؤمن في تحصين إيمانه، فكلما ازداد دليلا، ألقى إليه الوساوس، والمؤمن يستعيذ برب الناس، في دفع شر الوسواس الخناس. وتأمل في حضور الشيطان عند تلقي آي الله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته، والله عليم حكيم} فله سعيٌ حثيثٌ خبيثٌ في محاولة حجب نور الحقّ عن المؤمن وتشويشه وإلقاء الشكّ فيه حال تلقي المؤمنين للبينات من ربهم. قال ابن تيمية رحمه الله: " ولهذا يوجدُ عند طلاب العلم والعباد من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم؛ لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه، وهذا مطلوب الشيطان، بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة، فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله تعالى".