* عبادة الهوى وعبادة الله الناس قسمان، بعضهم يكون عبداً لله وبعضهم الآخر عبداً للنفس أو الشيطان. جاء في القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ*وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (يس:60 61). أما كيف يكون الشخص عبداً لله أو عبداً للشيطان، فهذا بحث طويل لا يسع المقام ذكره، إلا أنه يجب القول: إن عبد الله هو الذي يتبع الله والرسول صلى الله عليه وآله، والذي يخالف أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وآله هو عبد للشيطان. ونفهم من الآيات الشريفة أن اتباع هوى النفس من جملة مصاديق عبادة الشيطان. الناس إما عُبّاد لله، وإما عُبّاد للأهواء وللشيطان. صفات عباد الرحمن في القرآن - حياتكِ. وقد تحدث القرآن الكريم حول عبّاد الأهواء، فجاء في سورة الفرقان: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً*أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان: 43 44). وجاء في آية أخرى قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ﴾ (الجاثية: 23).
وأمَرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبر مَن قبله مِن الأنبياء؛ فقال سبحانه: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]. ما هي صفات عباد الرحمن اولي ثانوي. وقد جُعلت هذه الدنيا دارَ ابتلاء، فلا بد للمؤمن من الصبر ثمانية لا بد منها على الفتى ولا بد أن تجري عليه الثمانية سرورٌ وهمٌّ واجتماع وفرقة وعسر ويسر ثم سُقمٌ وعافية فالمؤمن في خيرٍ في جميع أحواله؛ في السراء والضراء؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له))؛ [رواه مسلم]. صبرًا جميلًا ما أقرب الفرجا من راقب اللهَ في الأمور نجا من صدَق الله لم يَنَلْه أذًى ومن رجاه يكون حيثُ رجا أيها الإخوة الكرام: من ثمار الصبر عند المصيبة أنَّ مَن صبر، وقال: (( إنَّا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلُفْ لي خيرًا منها))، آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها. فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: ﴿ إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ راجِعُونَ ﴾، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها، قالَتْ: فَلَمَّا ماتَ أبو سَلَمَةَ، قُلتُ: أيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِن أبِي سَلَمَةَ؟ أوَّلُ بَيْتٍ هاجَرَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ إنِّي قُلتُها، فأخْلَفَ اللَّهُ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم))؛ [رواه مسلم].
وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وغيرهم. وقال الحسن البصري رحمه الله: أنزلت هذه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [لقمان: 6] في الغناء والمزامير. سلسلة صفات عباد الرحمن: الصبر. وقال الواحدي وغيره: أكثر المفسرين: على أن المراد بلهو الحديث: الغناء. وصح عنه صلى الله وسلم أنه قال: « لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ »؛ رواه البخاري. الغناء محرم في جميع المذاهب الأربعة، وقد كان الغناء في زمانهم أقل فتنة من غناء زماننا الذي أضيفت إليه آلات طرب كثيرة وأصبحت كثير من ألفاظه تدعو صراحة إلى الفسق والمحرمات، فلا يشك مؤمن في تحريمه ولو كثر فإن كثرة وقوع الناس في الحرام لا يجعله حلالاً ولا يشك عاقل في كونه يصد عن ذكر الله. قال الإمام أحمد رحمه الله: الغناء يُنبتُ النفاق في القلب. وقال ابن القيم رحمه الله: حب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبدٍ ليس يجتمعان ثقُلَ الكتابُ عليهمُ لما رأوا تقييده بشرائع الإيمان واللهوُ خفَّ عليهمُ لما رأوا ما فيه من طرب ومن ألحان يا لذةَ الفساقِ لستِ كلذةِ الأبرارِ في عقلٍ ولا قرآنِ أيها الأحبة الكرام: إن عباد الرحمن يعرضون عن اللغو لأن قلوبهم تنكره وتبغضه، وإذا كان اللغو منكرًا من المنكرات واستطاعوا تغييره قاموا بتغييره.
رواه أبو داوود وصححه الألباني. وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، قال عبدالله بن عروة ببن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما وصفهم الله. أيها الأحبة الكرام: ومن ثمرات التأثر بآيات الله تعالى الانقياد التام لأمر الله، كما قال سبحانه: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير ﴾ [البقر: 285]. والانقياد والتسليم لأمر الله تعالى يجب أن يكون حال كل مؤمن ومؤمنة، والإسلام هو الاستسلام لشرع الله، قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]. كان الفضيل -رحمه الله- يقول: "إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملًا". ما هي صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه.