فذكر بالقرآن من يخاف وعيد د. محمد بن عبدالعزيز المسند القرآن الكريم أفضل كتاب أنزله الله من السماء، وكلام الله فيه، هو خير الكلام وأصدقه وأزكاه، والتذكير بالقرآن من أجلّ أنواع التذكير وأكثره تأثيراً في النفوس، وأرقاه، ولهذا سمّاه الله تعالى ذكراً فقال سبحانه:} إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون}[ الحجر: 9}. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة ق - الآية 45. ووصفه بذلك كما في قوله سبحانه: { ص والقرآن ذي الذكر}[ص: 1]. بل حصر الغرض من إنزاله في ذلك فقال سبحانه في أكثر من موضع: { إن هو إلا ذكر للعالمين}[ يوسف: 104] أي: عظة وتذكير كما قال أهل التفسير. ووصف المتذكرين به بأنّهم أصحاب العقول الصحيحة والقلوب النيّرة، فقال سبحانه: { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب}[ص: 29]. ولقد امتثل النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أمر ربّه بالتذكير بهذا القرآن، فكان يذكّر به أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ومن ذلك أنّه كان يقرأ سورة ( ق) على المنبر يوم الجمعة مقتصراً عليها، فقد روت بنت حارثة بن النعمان الأنصاري قالت: " لقد رأيتنا وتنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه و سلم واحد، وما أخذت قاف [ يعنى سورة ق] إلا من فيّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يخطب ".
وها قد ظهرت المعاصي في هذه الآمة وكثر الكسوف والخسوف وها الخمر تباع بتصاريح رسمية في بلاد المسلمين والقتل وانتشر الربا فتدبر قول الله تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(الروم:41). (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) - هوامير البورصة السعودية. وهو القائل سبحانه: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[ الشورى:30]. فيأتي رد الله تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[البقرة:279]. فهل نستطيع أن نتحمل هذه الحرب؟! ومع ذلك نبارز الله بالمعصيه فنظر لحرب الله تعالى علينا فهو القائل سبحانه وتعالى: { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}[الأنعام:65] وهو القائل سبحانه:{ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}[ النحل:45].
إن في القرآن ما يلين الجلاميد، لو فهمه الصخر كأن الصخر يميد، كم أخبرك بإهلاك الملوك الصيد؟ وأعملك أن الموت بالباب والوصيد مواعظ القرآن تذيب الحديد، وللفهوم كل لحظة زجر جديد، وللقلوب النيرة كل يوم به عيد، غير أن الغافل يتلوه ولا يستفيد أما الموت للخلائق مبيد، أما تراه قد مزقهم في البيد، أما داسهم بالهلاك دوس الحصيد، لا بالبسيط ينتهون ولا بالتشديد، أين من كان لا ينظر بين يديه؟ أين من أبصر العبر، ولم ينتفع بعينيه، أين من بارز بالذنوب المطلع عليه؟ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 15. أين من كان يتحرك في أغراضه ويميد، ويغرس الجنان لها طلع نضيد، ويعجبه نغمات الورق على الورق بتغريد، كان قريباً منا فهو اليوم بعيد أحضروا قلوبكم فإلي متى التعامي والتبليد؟ وأنتم ترون شبح المنون يخطف الشيخ الكبير والوليد، أما فيكم من يذكر أنه في قبره وحيد، أما فيكم من يتصور تمزيقه والتبديد. غداً يباع أثاث البيت فمن يزيد؟، غداً يتصرف الوارث كما يريد، غداً يستوي في بطون اللحود الفقير والسعيد. يا قوم: ستقومون للمبدئ المعيد، يا قوم ستحاسبون على القريب والبعيد، يا قوم المقصود كله، وبيت القصيد: { فمنهم شقي وسعيد}" 16.
بل كان قبل ذلك يدعو به الكفّار والمشركين رجاء إسلامهم ، ولعلّهم يخافون ما فيه من الوعيد فقد أخرج الحاكم في مستدركه وأبي يعلى في مسنده، وصححه الذهبي، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: اجتمعت قريش للنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرّق جماعتنا، وشتّت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلّمه، ولينظر ما يردّ عليه. قالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة. قالوا: أنت يا أبا الوليد. فأتاه عتبة فقال: يا محمّد، أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال: أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال: فإن كنت تزعم أنّ هؤلاء خير منك عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنّك خير منهم، فتكلّم حتى نسمع قولك. إنّا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك! فرّقت جماعتنا، وشتّت أمرنا، وعبت ديننا، ففضحتنا في العرب حتى لقد طار فيهم أنّ في قريش ساحراً، وأنّ في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى بأنّ يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى!. أيّها الرجل، إن كان إنّما بك الحاجة؛ جمعنا حتى تكون أغنى قريش رجلاً.