وقوله تعالى: "يستضعف طائفة منهم" يعني بني إسرائيل, وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم, هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العتيد يستعملهم في أخس الأعمال, ويكدهم ليلاً ونهاراً في أشغاله وأشغال رعيته, ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم, إهانة لهم واحتقاراً وخوفاً من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه أن يوجد منهم غلام, يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه.
إعراب الآية 4 من سورة القصص - إعراب القرآن الكريم - سورة القصص: عدد الآيات 88 - - الصفحة 385 - الجزء 20. (إِنَّ فِرْعَوْنَ) إن واسمها (عَلا) ماض فاعله مستتر (فِي الْأَرْضِ) متعلقان بالفعل والجملة خبر إن والجملة الاسمية ابتدائية لا محل لها. (وَجَعَلَ) الواو حرف عطف وماض فاعله مستتر (أَهْلَها) مفعول به أول (شِيَعاً) مفعول به ثان والجملة معطوفة على ما قبلها (يَسْتَضْعِفُ) مضارع فاعله مستتر (طائِفَةً) مفعول به والجملة حال (مِنْهُمْ) متعلقان بصفة طائفة، (يُذَبِّحُ) مضارع فاعله مستتر (أَبْناءَهُمْ) مفعول به والجملة بدل من سابقتها (وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) معطوفة على ما قبلها. ان فرعون علا في الأرض. (إِنَّهُ) إن واسمها (كانَ) ماض ناقص اسمه مستتر (مِنَ الْمُفْسِدِينَ) متعلقان بمحذوف خبر كان والجملة خبر إن. والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وهذه الجملة وما عطف عليها بيان لجملة { نتلو} [ القصص: 3] أو بيان ل { نبأ موسى وفرعون} [ القصص: 3] فقدم له الإجمال للدلالة على أنه نبأ له شأن عظيم وخطر بما فيه من شتى العبر.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على خير الورى، فقد أمركم بذلك المولى جل وعلا فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم على خلفائه الأربعة...
والشيع: جمع شيعة. والشيعة: الجماعة التي تشايع غيرها على ما يريد ، أي تتابعه وتطيعه وتنصره كما قال تعالى هذا من شيعته وهذا من عدوه ، وأطلق على الفرقة من الناس على سبيل التوسع بعلاقة الإطلاق عن التقييد قال تعالى من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا. ومن البلاغة اختياره هنا ليدل على أنه جعل أهل بلاد القبط فرقا ذات نزعات تتشيع كل فرقة إليه وتعادي الفرقة الأخرى ليتم لهم ضرب بعضهم ببعض ، وقد أغرى بينهم العداوة ليأمن تألبهم عليه كما يقال ( فرق تحكم) وهي سياسة لا تليق إلا بالمكر بالضد والعدو ولا تليق بسياسة ولي أمر الأمة الواحدة. وكان ( رعمسيس) الثاني قسم بلاد مصر إلى ست وثلاثين إيالة وأقام على كل إيالة أمراء نوابا عنه ليتسنى له ما حكي عنه في هذه الآية بقوله تعالى " يستضعف طائفة منهم " الواقع موقع الحال من ضمير " جعل " وأبدلت منها بدل اشتمال جملة " يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم " ؛ لأنه ما فعل ذلك بهم إلا [ ص: 68] ؛ لأنه عدهم ضعفاء ، أي أذلة فكان يسومهم العذاب ويسخرهم لضرب اللبن وللأعمال الشاقة. والطائفة المستضعفة هي طائفة بني إسرائيل ، وضمير " منهم " عائد إلى أهلها لا إلى شيعا.
وأهل مصر كانوا يلقبون بالأقباط، وكلمة (قبط) ليس أصلها النصارى، فلم يكن يوجد في ذلك الوقت نصارى، ولكن أهل مصر الذين هم من أيام الفراعنة هم القبط، كل من سكن مصر يسمى قبطياً، والذي يحكم مصر يلقب بفرعون، والوزير يلقب هامان، فكان يميز بين القبط وبين بني إسرائيل، فبنو إسرائيل جاءوا إلى مصر ودخلوا فيها، أما الأقباط فهم من أهل مصر. الغرض أن بني إسرائيل عاشوا وكانوا على التوحيد، ثم بعد ذلك رجعوا إلى الإشراك بالله، فلما فعلوا ذلك سلط الله عليهم فرعون؛ لأنهم كانوا هم أهل الديانة الصحيحة والتوحيد، ولكن لما ابتعدوا عن دين ربهم سبحانه سلط عليهم ربهم فرعون، فعاشوا في هذه البلدة مستذلين، أذلهم فرعون ذلاً شديداً، فهذا كان من فساد فرعون، قال الله سبحانه: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} [القصص:٤] ، جعل أهل مصر جميعهم شيعاً؛ لأن النظام يقول: فرق تسد، فرق الناس من أجل أن يبقى هو الرئيس عليهم. ثم من فساده أنه يستضعف طائفة من بني إسرائيل، فماذا كان يعمل فيهم؟ {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص:٤].
بل ما نراهُ يفعلُهُ ابن زايد وابن سلمان في ليبيا وفي اليمنِ متواصلا طول هذه السنين، من جرائم القتل والتشريد والتهجير دون هوادة، أعدادُ ضحاياها بالملايين. حربهم على طرابلس ومُدُنِها مضى عليها عام كامل وهم يرسلون طائرات الدمار والمرتزقة دون توقف، وقبلها دمروا بنغازي ودرنة والجنوب على مدى خمس سنوات. ست سنوات من العدوان الإماراتي السعودي، ذهبت بالآلاف من خيرة شباب ليبيا، ابن زايد عداؤه سافر بعسكره وأمواله وعتاده وطائراته، وابن سلمان بأمواله التي يجند بها المرتزقة من كل الجنسيات، ودَفْع كل ما يَلزم من فواتير الحرب بكل سخاء وأريحية لقتل الليبيين، عدا تدخله الاستخباراتي بفصائل مسلحة يسمون أنفسهم السلفية! يفعلون ذلك بأهل ليبيا لا لشيء سوى أنهم طلبوا الحرية والخلاص من القهر والاستعباد لاسترداد حقوقهم المسلوبة! ما نراه من فراعنة العصر مِن الفساد والولوغ في الدماءِ بهذهِ الوحشية، وقتل الأعداد المهولَة، لم يفعلهُ فرعونُ الأكبرُ؛ (كَلَّا إنَّ الإنسانَ ليَطغَى أنْ رَآهُ اسْتغنَى). إسلام ويب - في ظلال القرآن - تفسير سورة القصص - تفسير قوله تعالى طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبإ موسى- الجزء رقم5. وعلى الرغم مما فعلته وتفعله الإمارات والسعودية بالليبيين، فلا تزال علاقة بلادنا معهم السياسية والاقتصادية وغيرها كما هي لم تُمس، على أحسن ما يرام، ولا يَفعل هذا مع عدو غادر، شقيٌّ ولا غبيٌّ، ولا خائنٌّ ولا وفيٌّ، إلا ما نراه من حكامنا، فإلى الله المشتكى الصادق بن عبد الرحمن الغرياني 11 شعبان 1441 هـ الموافق 05 أبريل 2020 م Post Views: 1٬067