وأعتقد والله أعلم أنّ لبّ وأساس وأصل ظواهر الرسم العثماني قائم على هذه الملاحظة مخالفة الملفوظ للمرسوم؛ لهذا ستجد جميع ما سجّله القدماء من هذه الظواهر يختلف فيه المرسوم عن الملفوظ دون استثناء واحد (إن شاء الله). [اللهمّ إلاّ ظاهرة اختلاف المصاحف أو تعدد وتنوع رسم الكلمة الواحدة في المصحف الواحد... ] وهذا بخلاف لو قلنا إنّ بداية علم الرسم العثماني إنّما قامت على ملاحظة الخلف والفرق بين مرسوم الإمام والرسم القياسي الإملائي المحدث. فإنّه ستواجهنا حينها بعض الاعتراضات أهمّها: · لماذا سجّل علماء الرسم قديما وحديثا كلمات اتّحد رسمها في الإمام وفي الرسم القياسي الإملائي كمثل: مائة، أوْلئك، الذي،التي،الله، اللهم، الرحمن.... · بدأ علم الرسم العثماني واهتمام المسلمين به قبل ظهور الاختلاف بينه وبين الرسم الإملائي القياسي الجديد. · إنّ المغاربة أشهر وأكثر من اهتم بالرسم العثماني رواية وتأليفا ما زالوا وإلى وقت قريب جدّا جدّا يرسمون كتبهم ومصنفاتهم ورسائلهم ووثائقهم بكثير من ظواهر الرسم العثماني ولا يعرفون رسما مغايرا له (يلاحظ هذا من خلال تتبع مخطوطاتهم حتى المتأخرة بل والمعاصرة منها كذلك... شرح وترجمة مصطلح: الرسم العثماني - موسوعة المصطلحات والقواميس الإسلامية المترجمة. ) ما يؤكّد أنّ الخلف بين الرسمين ليس هو أساس هذه الظواهر وإنّما هو الخلف بين المرسوم والملفوظ.
[1] اقرأ أيضًا: حكم إدخال المصحف إلى موضع قضاء الحاجة ما حكم الالتزام بالرسم العثماني؟ اختلف أهل العلم من الفقهاء في حكم الالتزام بالرسم العثماني، إذ اختلفوا في كون رسم المصحف على ما هو عليه توقيفيًا أو اجتهاديًا، ثم اختلف القائلون فيه بالاجتهاد حول ما إذا كان يجب اتباعه أم تجوز مخالفته، وقد تحدثت كتب علوم القرآن الكريم عن هذا الخلاف بشكل مفصل مع الأدلة لدى كل فريق، وفيما يأتي سوف يتم الحديث عن رأي كل من الفريقين بشكل مفصل: القول الأول: ذهب أصحاب هذا القول إلى أنَّ رسم المصحف توقيفي، أي كذلك أوحيَ به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تجوز مخالفته بحال من الأحوال. القول الثاني: ذهب أصحاب هذا القول إلى أنَّ رسم المصحف اجتهادي من قبل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك اختلف أصحاب هذا الرأي على قولين: جواز مخالفته: رأى هؤلاء أنَّه تجوز مخالفة رسم المصحف العثماني لأنه اجتهاد من الصحابة وليس واجبًا. منع مخالفته: منع هؤلاء مخالفة الرسم العثماني منعًا لدخول الشك أو الالتباس والوقوع في الأخطاء عند كتابة المصحف الشريف. شاهد أيضًا: من هو الصحابي الذي ختم القرآن في ركعة واحدة ما هو الرسم العثماني يشار باسم الرسم العثماني إلى الصورة التي وردت عليها كلمات المصحف الشريف من زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وسمِّيَ بلك نسبةً إلى الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد أمر في خلافته أن يجمع المصحف الشريف على رسم واحد ونسخة واحدة وأن توزع في جميع البلاد الإسلامية، وأن يتم إتلاف ما يخالف تلك النسخة لتوحيد المسلمين على رسم المصحف، ولتجنب وقوع اللبس في آيات كتاب الله تعالى بسبب دخول كثير من الأعاجم في الإسلام، ودخول اللحن في اللغة العربية من قبلهم.
لماذا هكذا؟ ألهذا وظيفة اعتبارية؟. وهي معنوية هنا، بمعنى أنّها أفادت دلالتين منبثقتين من كلمة واحدة. فقطع (أم) الأولى في الكتابة، للدلالة على أنها (أم) المنقطعة، التي بمعنى (بل). ووصل (أم) الثانية في الكتابة، للدلالة على أنها ليست كتلك. هذا مثال في كلمة واحدة، وقد كتبت مرة بشكل، وأخرى بشكل مخالف. المزيّة الثالثة الدلالة على معنى خفيّ دقيق، لا يثقفه إلّا الفطنون، الباحثون. وأمثلة هذه كثيرة، أقتصر هنا على اثنين منها فقط: الأول: قوله تعالى ﴿ وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ ﴾ الذاريات/ 47/ لقد كتبت الكلمة الأخيرة هكذا (بأييد) بزيادة (ياء) بين الهمزة والياء. فماذا حملت لنا الزيادة هنا؟ أهي ذات معنى، أم أنّها زيدت اعتباطا؟ كلّا. لقد رشحت الزيادة هذه بملحظ عقيدي، قلّما يفطن إليه القارءون. والملحظ العقيدي هنا، هو الدلالة على تعظيم قوّة الله، التي بنى بها السماء، وأنها لا تشبهها قوّة في الوجود. ويمكن أن يستأنس لهذه المزية بقاعدة مشهورة: (زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى). قوله تعالى ﴿ لأذبحنّه ﴾ النمل/ 21/. لقد كتبت فذّة في المصحف، وبمخالفة في الزيادة، والزيادة هنا، (ألف) بين الذال، والألف المتصلة باللام.