على مثل هذه الحالة"(3). فالحالة التي ورد فيها الحديث هذه لا تعمم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا منهك القوة، يظلله الناس ويرشون عليه الماء، متعبًا جدًّا، وأصابه إعياء شديد، فقال ما قال، فمن كانت حالته هكذا، أو كان سفره شاقًّا يصل فيه إلى هذه الحالة، فعليه أن يفطر. وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر كثيرًا من المسلمين على صيامهم في السفر، فعن عائشة: أن حمزة الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرِد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: "صم إن شئت، وأفطر إن شئت"(4). وقال ابن عباس: قد صام النبي صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر(5). أي: يجوز له أن يصوم ويجوز له أن يفطر. حكم الصوم في السفر - خالد عبد المنعم الرفاعي - طريق الإسلام. وكان الصحابة يسافرون في رمضان، فمنهم من يصوم ومنهم من يفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا يعيب المفطر على الصائم، يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعِب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم(6). فلهذا نقول إن حديث "ليس من البرِّ الصوم في السفر"، مقيد بهذه الحالة التي يكون الصيام فيها متعِبًا للإنسان، وشاقًّا عليه، كأن يكون الصائم مسافرًا في البر، والجو حار، أو مسافر إلى الغرب في الصيف بالطائرة، فيطول النهار بالنسبة له جدا، فلو أن إنسانا خرج من الدوحة مسافرا إلى أمريكا، سيصل إلى نيويورك قبل العصر هناك، سافر حوالي عشرين ساعة أو أكثر، ومع ذلك يصل أمريكا قبل العصر في الصيف، ما الذي يجعله يصوم قرابة يوم كامل أو أكثر؟!
فمن كان مثل هذا فالأولى له أن يفطر. أما الأخ السائل، فيريد أن يصوم، ويتحمل مشقة الصوم في السفر، خصوصا في هذه الأيام الباردة، فأنصحه بأن يصوم، ولا يفطر، فيكون عليه عدة من أيام أخر، وقد لا يتيسر له إجازات طويلة يقضي فيها ما عليه من أيام أفطرها، وإن كان لا حرج عليه إن شاء الله أن يفطر برخصة السفر....... 1- متفق عليه: رواه البخاري (1946)، ومسلم (1115)، كلاهما في الصيام، كما رواه أحمد (14426)، عن جابر بن عبد الله. 2- تفسير الطبري (3/216). تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر دار هجر، الطبعة الأولى، 1422هـ/ 2001م. 3- فتح الباري لابن حجر (4/184). معنى حديث : ( ليس من البر الصوم في السفر) - الإسلام سؤال وجواب. 4- رواه مسلم (1121)، وأحمد (24196). 5- رواه البخاري (1948)، ومسلم (1113)، كلاهما في الصيام. 6- متفق عليه: رواه البخاري (1947)، ومسلم (1118)، كلاهما في الصيام.
المبحث الثالث: إقامةُ المُسافِرِ التي يُفطِرُ فيها لا يُفطِرُ المُسافِرُ إذا نوى الإقامةَ أربعةَ أيَّامٍ فأكثَرَ، وهذا مَذهَبُ المالكِيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/337)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/512). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/361)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/384). لكن لا يَحسُبون منها يوم الدخول، ويوم الخروج. ، وروايةٌ عن أحمد قال ابنُ قدامة: (وعنه أنَّه إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وإن نوى دونها قَصَر، وهذا قولُ مالك، والشافعيِّ، وأبي ثور؛ لأنَّ الثلاث حدُّ القِلَّة) ((المغني)) (2/212). حكم الصيام في السفر. الروايةُ لم تنصَّ على الصومِ، لكنَّ كلَّ من جاز له القَصرُ، جاز له الفِطرُ، قال الحجاوي: (وكلُّ من جاز له القَصرُ جاز له الجمعُ والفِطرُ... قال الأصحاب: الأحكامُ المتعلِّقةُ بالسَّفرِ الطويلِ أربعةٌ: القَصرُ والجَمعُ، والمَسحُ ثلاثًا والفِطرُ) (الإقناع)) (1/183)، وينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/514). ،وبه قال بعضُ السَّلَف قال الماورديُّ: (إن نوى مقامَ أربعة أيَّام سوى اليوم الذي دخَل فيه واليوم الذي يخرج منه، لزمه أن يُتِمَّ، لم يجز له أن يقصُر، وبه قال من الصحابة: عثمانُ بنُ عفَّان رضي الله عنه، ومن التابعين: سعيدُ بن المسيَّب، ومن الفقهاء: مالكٌ) ((الحاوي الكبير)) (2/371).