كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ له مِثْلُ أَجْرِ مَن عَمِلَ بهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ".
والثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له. السنه النبويه هي المصدر الهيئة العامة للأرصاد. الثالث: أن تكون موجبة لحكم يسكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه. ولا تخرج عن هذه الأقسام، فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي- صلى الله عليه وسلم -، تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، ولكنه امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به. وأنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه، لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله - تعالى -: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80]، فكيف يمكن لأحد من أهل العلم ألا يقبل حديثا زائدا على كتاب الله، فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب؟). وعلى هذا فإن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثروة خصبة في بيان مجمل القرآن، وهي مادة غزيرة تغذي مقاصد الإسلام، وتنمي أحكام شريعته، ومن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله - عز وجل - قبلº لأن الله فرض طاعة رسوله، ولا يحل لمسلم علِم ما في الكتاب أو السنة أن يخالف واحدا منهما.
وكانت هذه الضوابط التي أشرت إليها نتيجة جهود متكاتفة ومتكاملة أعدَّت لهذا الأمر كل ما يجب أن يُعَدَّ له: وضعت قواعد عقلية للضبط، وحفظت السير الذاتية لكل من نسب إليه شيء من هذا العلم، وتفنن المحدثون في أساليب التدوين، حتى صار هذا الصرح الشامخ مفخرة من مفاخر هذه الأمة، ووجهاً من وجوه التأييد لهذا الدين، سعد المسلمون به قروناً طويلة، ووجدوا في الحديث ما يفسر ويكمل ويبين ما في القرآن العظيم. ومع الأيام جدَّت على الأمة الإسلامية ظروف ثقافية بسبب خلطتهم مع أمم أخرى، واطِّلاعهم على ثقافات وافدة، وهم في حالة من الضعف المادي والارتباك الاجتماعي والمعاناة أمام الغزو الثقافي والعسكري والاقتصادي، وهذه ظروف تؤثر سلباً على الأمة. السنة النبوية هي المصدر الاول للتشريع - دروب تايمز. فرأينا من يتعامل مع علم الحديث كما يتعامل مع علم الحساب، يراها قواعد جامدة ليس فيها بُعْدٌ إنساني ولا اعتبار اجتماعي وثقافي، ويهدف من وراء ذلك إلى خلخلة الثقة ببعض نصوص الحديث التي كانت مسلَّمة عند السلف الصالح، ولم ترق لبعض المتأثرين بالثقافة الوافدة. ورأينا من يتطاول على أعلام علم الحديث لأسباب متعددة، منها: حب الظهور، في الوقت الذي يُعَدُّون فيه عالة على أولئك الأعلام، سواء من حيث نص الحديث أو من حيث قواعد ضبطه، فلا شك أنهم ما أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل بواسطة الأعلام من الرواة، وما خالطوا رواة الحديث بل عرفوا عنهم من خلال ما كتبه أولئك الذين دونوا سيرتهم، وما استقلوا بوضع ضوابط هذا العلم بل وجدوها منقحة ممحصة لا مزيد عليها فتعاملوا بموجبها، ثم سولت لهم أنفسهم أن يتطاولوا على من أخذوا عنهم باسم الموضوعية والتجرد في البحث!!