ماذا يريدون من ذلك؟ وما هو الهدف الذي يستهدفونه من إِسراعهم إليك، ومن اجتماعهم حولك؟ لأن الجلوس إلى النبي والإِسراع في الوصول إليه واللقاء به، لا بد من أن يرتبط بالرسالة التي يدعو إليها ليستمع إليها بأذنه ويقبل عليها بقلبه، ليتحرك من خلالها في حركة حياته. فذرهم يخوضوا ويلعبوا. ولكنّ هؤلاء لا ينطلقون من هذا المنطلق، ولا يسيرون في اتجاه هذا الهدف، فهل فكَّر هؤلاء في الجنة، وكيف يفكرون بها وهم لا يؤمنون بها؟ وهل يمكن أن يفصلوا بين الإيمان بالرسول وبين الطمع في الجنة، فيكفروا به؟ ولكنهم يتقربون منه ويتحلقون حوله، ويدنون من مجلسه ليدخلوا الجنة ببركته، ولكن ذلك لا قيمة له إذا كانوا قد فكروا بمثله، لأن الجنة ليست للكافرين، ولكنها للمؤمنين العاملين بما يرضي الله. {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} فهل المسألة مسألة طمع تقوده التمنيات، أو مسألة عمل صالح يقوده الإيمان؟ {كَلاَّ} فليس لهم ذلك كله، وعليهم أن يفكروا كيف بدأ خلقهم، وممّ خلقوا، ليعرفوا سرّ عظمة الله في ذلك، من خلال عظمة الخلق الذي تحوّلت فيه النطفة الحقيرة المهينة إلى إنسانٍ سويّ. {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ} وقد تكون الإشارة القرآنية مسوقةً للتعبير عن حقارة الماء المهين الذي كان البذرة الأولى لبداية النموّ في وجودهم، ما يجعل تفكيرهم الماديّ الذي يقيسون به الأشياء مشدوداً إلى تحطيم حالة الكبرياء التي يعيشونها ضد الرسالة والرسول، ليفكروا بالمسألة من موقعٍ متوازنٍ يضع الأمور في نصابها الصحيح، فيفكر بالرفعة من قاعدة المعاني الروحية التي تشد الإنسان إلى السموّ، لا من قاعدة الأمور المادية التي تشد الإنسان إلى الأسفل.
، في كلِّ يوم لها مشرق غير مشرِقها بالأمس، يعرفُ ذلك من يُتابع طلوعَ الشمس وغروبَها، فمشرقُها اليوم غيرُ مشرقِها أمس، ومغربُها اليوم غيرُ مغربها أمس، فلهذا ذُكرتِ المشارق بلفظ الجمعِ.
رب المشارق والمغارب {فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} لأن الأمر ليس بحاجة إلى القسم لتأكيده، لأنه من حقائق العقيدة التي يفرضها الإيمان بالألوهية التي تملك القدرة المطلقة بطبيعة ذاتها، لا سيّما إذا لاحظنا تعدد الشروق والغروب في مواقع النجوم التي تمتد في الفضاء، ولكل واحدٍ منها مشرقٌ ومغربٌ يختلف عن الآخر في آفاقه ومميزاته. وربما كان المراد مشارق الشمس ومغاربها المتوالية على بقاع الأرض، فإن الشمس قد تغرب عن قوم لتشرق على قومٍ آخرين، وهكذا تتوالى في كل لحظة أَثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس، ليطلع مشرقٌ هنا، ويختفي مغربٌ هناك. فإذا كان الله قادراً على أن يحرّك الشروق والغروب في الكون عن قانونه الطبيعي، فإن من الطبيعي أن يوحي للناس بقدرته على ما هو أقلّ شأناً من ذلك، أو ما هو مماثلٌ لذلك، {فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ*عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} فإن الذي خلقهم من العدم قادرٌ على أن يعيدهم إليه، ويخلق خلقاً جديداً يتميز عنهم بالإيمان والوعي والعمل الخيّر والانفتاح على عبوديته لله، ولن يستطيعوا أن يعطلوا إرادته، أو يسبقوه في تقديره.