قال المحـاملي[17] في أماليـه: عـن عـبيدة بـن عـمـرو قـال: جـاء الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فقالا: يا خليفة رسول الله! إنّ عندنا أرضاً سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعناها؛ فأجابهما وكتب لهما، وأشهد القوم، وعمر ليس فـيهم. فانطـلقا إلى عمر ليُشهِداه فيه، فتناول الكتاب ومحاه، فتـذمرا لـه وقالا له مقالة سيئة؛ فقال عمر - رضي الله عنه -: إن رسول الله - - كان يتألّفكما والإسلامُ يومئذٍ قليل، وإنّ الله قد أعزّ الإسلام، اذهبا فاجهدا جهدكما! قصة عُيينة بن حصن الفزاري مع عمر رضي الله عنه. فأقبلا إلى أبي بكر - رضي الله عنه - وهما يتذمران فقالا: ما ندري والله: أنت الخليفة أو عمر؟ قال أبو بكر: لا، بل هو لو كان شاء. فجـاء عـمر وهو مغضَب حتى وقف على أبي بكر، فقـال: أخبـرني عـن هــذا الذي أقـطـعـتــهـما: أرض لك خـاصـة أو للمـسلمين عــامـة؟ قال: بل للمســلمين عــامـة! قـال: فما حملك على أن تخص بها هذين؟ قال: استشرت الذين حولي فأشاروا عليَّ بذلك، وقد قلتُ لك: إنّك أقوى على هذا مني؛ فغلبتني. أقول: وقد أورد البخاري هذه القصة في التاريخ الصغير (1/56) موجزة عن عبيدة السلماني أن عيينة والأقرع استقطعا أبا بكر أرضاً، فقال عمر: إنما كان رسول الله - - يؤلِّفكما على الإسلام، فأما الآن فاجهدا جهدكما.
الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله موقع يحوي بين صفحاته جمعًا غزيرًا من دعوة الشيخ، وعطائه العلمي، وبذله المعرفي؛ ليكون منارًا يتجمع حوله الملتمسون لطرائق العلوم؛ الباحثون عن سبل الاعتصام والرشاد، نبراسًا للمتطلعين إلى معرفة المزيد عن الشيخ وأحواله ومحطات حياته، دليلًا جامعًا لفتاويه وإجاباته على أسئلة الناس وقضايا المسلمين.
ولما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله - - إلى عيينة ابن حصن والحارث بن عوف المرّيّ، وهما قائدا غطفان، فعرض عليهما أن يعطيهما ثُلُث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن مـعهما عنه وعن أصحابه، ولكن الأنـصار قالوا: والله ما لهما إلاّ السيف!
خُذِ الْعَفْوَ يعني: من أخلاق الناس ما استيسر منها، ولا تستقصِ، وإلا من أراد أن يتتبع وينظر في تصرفات الناس وأقوالهم وأفعالهم فإنه سيتعب كثيراً، فيتعب نفسه ويتعب من معه، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني: المعروف، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ يعني: أهل السفه. وإن هذا من الجاهلين، يقول: والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقّافاً عند كتاب الله تعالى، رواه البخاري. كان وقافاً يعني بمجرد التذكير وقف، ولم يحصل منه معاقبة لهذا الرجل، وعلاقة هذا الحديث بباب الصبر واضحة، وهي أن الإنسان بحاجة إلى صبر على أذى هؤلاء الناس. مَن أعدل من عمر بعد النبي ﷺ؟! 130 من حديث: (قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر..). ، ومع ذلك يأتي هذا ويقول له: إنه لا يحكم بالعدل، ولا يعطيهم الجزل، وعمر كان يخطب وفي ثوبه رِقَع كثير، يلبس ثوباً مرقعاً. وفي عام الرمادة تغير لونه حتى اسمر، وجاء في صفة الواصفين له في ذلك العام أنه أسمر طويل، ولم يكن بأسمر، لكنهم رأوه في عام الرمادة لقلة ما كان يأكله، فكان يجوع مع الناس فتغير لونه . فالإنسان بحاجة إلى الصبر على أذى الناس، بحاجة إلى الصبر والتحمل وحبس النفس، وسيلقى الإنسان أذى كثيراً لربما من أقرب الناس إليه، وهو بحاجة أن يتذكر هذه المعاني.