ومنه قول بعض الشعراء: إذا نزل السماء بأرض قوم... رعيناه وإن كانوا غضابا والمدرار: المطر الغزير المتتابع ، يقال: درت السماء بالمطر ، إذا نزل منها بكثرة وتتابع ، والدر ، والدرور معناه: السيلان.. فقوله ( مِّدْرَاراً) صيغة مبالغة منهما. أى: استغفروا ربكم وتوبوا إليه ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أرسل الله - تعالى - عليكم بفضله ورحمته ، أمطارا غزيرة متتابعة ، لتنتفعوا بها فى مختلف شئون حياتكم. البغوى: ( يرسل السماء عليكم مدرارا) وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فهلكت أموالهم ومواشيهم ، فقال لهم نوح: استغفروا ربكم من الشرك ، أي استدعوا المغفرة بالتوحيد ، يرسل السماء عليكم مدرارا. وروى مطرف عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج يستسقي بالناس ، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فقيل له: ما سمعناك استسقيت ؟ فقال. طلبت الغيث [ بمجاديح] السماء التي يستنزل بها المطر ، ثم قرأ: " استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ". ابن كثير: ثم قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي ستنزل بها المطر. وقال ابن عباس وغيره: يتبع بعضه بعضا. القرطبى: أي يرسل ماء السماء; ففيه إضمار.
في هذه الآية والتي في "هود" دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار. قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر؛ ثم قرأ: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا". وقال الأوزاعي: خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: "ما على المحسنين من سبيل" التوبة: 91] وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟! اللهم اغفر لنا وأرحمنا واسقنا! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا. وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر. ادع الله أن يرزقني ولدا؛ فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه؛ فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئا؛ إن الله تعالى يقول في سورة "نوح": "استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا". وقد مضى في سورة "آل عمران" كيفية الاستغفار، وإن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب.
(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) قوله تعالى: "فقلت استغفروا ربكم" أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان. "إنه كان غفارا" وهذا منه ترغيب في التوبة. وقد روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الاستغفار ممحاة للذنوب). وقال الفضيل: يقول العبد أستغفر الله؛ وتفسيرها أقلني. "يرسل السماء عليكم مدرارا" أي يرسل ماء السماء؛ ففيه إضمار. وقيل: السماء المطر؛ أي يرسل المطر. قال الشاعر: إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا و"مدرارا" ذا غيث كثير. وجزم "يرسل" جوابا للأمر. وقال مقاتل: لما كذبوا نوحا زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة؛ فهلكت مواشيهم وزروعهم، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به. فقال "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه. ثم قال ترغيبا في الإيمان: "يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لكم أنهارا". قال قتادة: علم نبي الله صلي الله عليه وسلم أنهم أهل حرص على الدنيا فقال: (هلموا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة).
وبه يُستدفَعُ البَلاءُ والعذابُ: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]. وبه يُستجَابُ الدُّعاءُ: ﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ [هود: 61]. وبالاستغفَارِ يَبلُغُ كُلُّ ذِي فَضلٍ فَضلَهُ، ويَنالُ كُلُّ ذِي مَنزِلَةٍ مَنزلتَهُ، يُقولُ الحقُّ تَباركَ وتعالى: ﴿ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْله ﴾ [هود: 3]. كمَا أنَّ في الاستغفارِ بإذنِ اللهِ فرجٌ مِنْ كُلِّ همٍّ، ومَخرجٌ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ، ورِزقٌ للعبدِ مِنْ حَيثُ لا يحتَسِب، ففي الحديثِ: « مَنْ لَزِمَ الاستغفارَ جَعلَ اللهُ لهُ مِنْ كُلِّ همٍّ فَرجًا، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخرجًا، ورَزقَهُ مِنْ حَيثُ لا يحتَسِب ». اللهم فقِهنا في الدِّين.. واجعلنا هُداةً مُهتدِين.. مرحباً بالضيف