وقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم اللّه عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها اللّه لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله اللّه له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال: {فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك} أي غير الأزواج والإماء {فأولئك هم العادون} أي المعتدون. وقد استدل الإمام الشافعي رحمه اللّه ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة: {والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} قال: فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين، وقد قال اللّه تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}.
وقال القرطبي رحمه الله: " هُوَ كُلُّ سَقْطٍ ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغِنَاءُ واللهو ، وغير ذلك مما قاربه، ويدخل فِيهِ سَفَهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَذَاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَذِكْرُ النِّسَاءِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: اللَّغْوُ الْمَعَاصِي كُلُّهَا. وَهَذَا جَامِعٌ " انتهى من " تفسير القرطبي " (13/ 80). عن اللغو معرضون - الكلم الطيب. وقال النسفي رحمه الله: " كل كلام ساقط ، حقه أن يلغى ؛ كالكذب والشتم والهزل ". انظر: " تفسير النسفي " (2/ 459). وعلى ما تقدم: فلا يدخل في معنى اللغو: القول المباح ، والفعل المباح ، الذي أذن فيه الشرع. فإذا أدى المسلم ما عليه من حقوق شرعية ودنيوية ، ثم أراد أن يروح عن نفسه ببعض المباحات ، كاللعب ، أو مجالسة الأصحاب ، والتحدث إليهم في بعض أمور الدنيا ، وممازحتهم ، أو مشاهدة بعض البرامج المفيدة ، ونحو ذلك من أنواع التروح: فلا حرج عليه ، وليس هذا ونحوه من اللغو المذموم أو اللهو الباطل ؛ لما يترتب عليه عادة من المصالح. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويمازحونه ، فروى الترمذي (1990) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا: " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا قَالَ: ( إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا) وصححه الألباني في " الأدب المفرد ".
ورواه النسائي (1358) ولفظه: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَيَتَحَدَّثُ أَصْحَابُهُ ، يَذْكُرُونَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَيُنْشِدُونَ الشِّعْرَ ، وَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وروى البخاري في "الأدب المفرد" (266) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ " صححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد ". يتبادحون: أي: يترامون. فالترويح عن النفوس بين الحين والحين ، بالممازحة والمحادثة واللعب والمشاهدة المباحة والمسامرة والتنزه ونحو ذلك: لا حرج فيه ، وليس هو من اللغو المذموم ، ولا اللهو الباطل ، إلا إذا أدى إلى ترك واجب ، أو فعل محرم ، أو غلب على طبع الإنسان حتى صار من عادته الدائمة ، وحاله اللازمة. والله تعالى أعلم.
*ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) يقول: الباطل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن: ( عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) قال: عن المعاصي. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) قال: النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه من صحابته، ممن آمن به واتبعه وصدقه كانوا " عن اللغو معرضون ". ابن عاشور: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) العطف من عطف الصفات لموصوف واحد كقول بعض الشعراء وهو من شواهد النحو: إلى المَلِككِ القرْم وابننِ الهُمام وليث الكتيبة في المزدحم وتكرير الصفات تقوية للثناء عليهم. والقول في تركيب جملة { هم عن اللغو معرضون} كالقول في { هم في صلاتهم خاشعون} [ المؤمنون: 2] ، وكذلك تقديم { عن اللغو} على متعلقه. وإعَادَةُ اسم الموصول دون اكتفاء بعطف صلة على صلة للإشارة إلى أن كل صفة من الصفات موجبة للفلاح فلا يتوهم أنهم لا يفلحون حتى يجمعوا بين مضامين الصلاة كلها ، ولما في الإظهار في مقام الإضمار من زيادة تقرير للخبر في ذهن السامع.
كم كان عمر السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ في لقاء مع أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) بتاريخ 13/12/2020 تحدث عن مختلف الروايات التي تخص عمر السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم وعرض أقوال المسيح الموعود عليه السلام وأعطى التوجيه التالي فيما يخص هذه المسألة: هناك قدر كبير من التناقض في كتب التاريخ والسيرة والتفسير والأحاديث فيما يتعلق بعمر السيدة عائشة (رضي الله عنها) وقت زواجها من النبي ﷺ. كم كان عمر عائشة عندما تزوجها الرسول. وبحسب ما ورد في هذه الكتب، كان عمر السيدة عائشة عند عقد قرانها على النبي الكريم ﷺ يتراوح من 6 - 16 عامًا، بينما يتراوح عمرها عند الزواج من 9 - 19 عامًا. ت ذكر الروايات في كتب الصحاح الستة، بما فيها صحيح البخاري، أن عمر السيدة عائشة عند عقد القران كان ست سنوات، بينما كان عمرها عند الزواج تسع سنوات. ولكن، إذا فحصنا هذه الروايات المتعلقة بعمر السيدة عائشة على أساس مبادئ علم الحديث - أي: الرواية والدراية - فسنجد أنها لا تفي بمعايير صحة الحديث. هناك 21 رواية واردة بهذا الشأن في كتب الصحاح الستة، منها 14 رواية عن هشام بن عروة والأخرى عن أبي عبيدة وأبي سلمة والأسود.
(نور القرآن، الجزء 2، الخزائن الروحانية، المجلد 9، ص 377). وبالمثل، قال حضرته عليه السلام في مناسبة أخرى: " أما القول بأن عمر عائشة رضي الله عنها كان تسع سنين عند الزواج فقد ورد فقط ضمن أقوال سخيفة لا أصل لها، وهي غيرُ ثابتة من أي حديث أو من القرآن الكريم". (ديانة الآريا، الخزائن الروحانية، المجلد 10، ص 64). باختصار، كل هذه الروايات التي تشير إلى أن السيدة عائشة كانت تبلغ من العمر تسع سنوات عند زواجها قابلة للمراجعة وللمزيد من التدقيق. فإما أن الرواة قد ارتكبوا خطأ غير مقصود فيها أو أن الرواة الذين جاءوا فيما بعد قد أقحموا عليها ذلك. تكشف دراسة متعمقة لكتب التاريخ والسيرة بوضوح أن السيدة عائشة كانت في سن مناسبة للزواج؛ وهو السن الذي اعتادت فيه قريش على تزويج أبنائها وبناتها. لم يكن هذا الزواج استثناءً خاصًا أو جديرًا بالملاحظة بالنسبة لعادات المجتمع العربي آنذاك، ولم يكن مرفوضًا بأي شكل من الأشكال حتى أن المنافقين والكفار لم يثيروا أي اعتراض ضده، ولم يعلقوا أي تعليق مسيء حوله كما أنهم لم يتفاجأوا به.
ومن العجيب حقًا أنه لم يروِ هذه الحادثة المهمة جدًا في التاريخ والسيرة أحد من الصحابة الكبار. لقد ظهرت الروايات التي تتحدث عن زواج السيدة عائشة في سن مبكرة لأول مرة عام 185 هـ، أي بعد أن مضى وقت طويل على وفاة هشام وعروة، اللذان رويا معظم الأحاديث المتعلقة بهذا الموضوع. علاوة على ذلك، قد قضى هشام وعروة معظم حياتهما في المدينة، وكان الإمام مالك رحمه الله، محدث المدينة الشهير، تلميذًا لهشام بن عروة، ورغم ذلك لم يرد ذكر هذه الرواية في موطأ الإمام مالك رحمه الله. وعند دنو أجله، فقد هشام بن عروة بصره، وتدهورت ذاكرته (وفقًا لخبراء السيرة الذاتية) وبدأ يعاني من الوهم وفقدان الذاكرة، وهاجر إلى الكوفة وهناك ذكر هذا الحديث لأول مرة. أما الشخص الذي روى عنه هذا الحديث فقد رواه لشخص آخر بعد مرور أربعين سنة على وفاة هشام بن عروة. وبالتالي لم يكن هناك إمكانية لإيجاد أي دليل مؤيد أو معارض لهذه الراوية. وهكذا، فإن حقيقة أن هشام لم يروِ هذه الرواية طيلة حياته في المدينة، وأنه ورد ذكرها في كتاب جُمع بعد سنوات طويلة من وفاته، تلقي بظلال الشك على صحتها. كما أن هناك احتمال أن تكون هذه الرواية ملفقة للتشهير بأهل بيت النبي ﷺ عامة والسيدة عائشة الصديقة بشكل خاص.