هكذا يكون المؤمنون؛ متعاونين متحابيّن، تسود بينهم روح المحبّة والإخاء، فيعيشون في جوٍّ مِن النّقاء والصّفاء، جسدًا واحدًا كما مثّل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى). صحيح مسلم: 2586 ولقد حثّنا ديننا الحنيف على البذل والعطاء في سبيل إسعاد الآخرين وإدخال السّرور عليهم -لا سيّما في شهر رمضان- عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا). المعجم الصّغير للطّبرانيّ: 861 وإنّها لمقصدٌ عظيمٌ مِن مقاصد الصّوم، ومعنىً أراده الشّارع الحكيم ليهذّب الأخلاق ويسمو بنفوس الصّائمين، فلقد سُئل أحد السّلف لمَ شُرع الصّيام؟ قال: " ليذوق الغنيّ طعم الجوع، فلا ينسى الجائع ".
مسند أحمد: 21364 إنّ الله أقام صلاح المجتمعات كلّها على أساسٍ واحدٍ لا بدّ مِنه، ألا وهو: التّراحم، فحيثما وُجد التّراحم صلح المجتمع، ولقد أثنى الله على صحابة رسوله بخُلُق الرّحمة؛ فقال: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]. ولكنّ المجتمع الّذي يختفي التّراحم ممّا بين أبنائه، لا بدّ أن تختفي رحمة الله عنه، حيث أوضح العلاقة اللّزوميّة بين تراحم النّاس فيما بينهم، وبين رحمة الله لهم، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ل اَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ). صحيح البخاريّ: 7376 ولئن كان الإسلام قد حثّنا على تفعيل مبدأ التّراحم فيما بيننا في سائر الأوقات، فإنّ الأمر يتضاعف في الأيّام الفاضلة كشهر رمضان وغيره، حيث لا يخفى على أيّ إنسانٍ أنّه شهر الرّحمة والغفران والجود والإحسان، ممّا يوجب علينا أن نكون متراحمين مُتعاطفين، يشعر أغنياؤنا بفقرائنا، ويحنو أقوياؤنا على ضعفائنا، فتسود فيما بيننا المودّة والمحبّة، ويعيش المجتمع حياةً آمنةً هادئةً، ينعم أبناؤه فيها بالأمن والرّخاء، قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التّوبة: 71].