قوله: "يا معشر قريش" المعشر: الجماعة. قوله: "أو كلمة نحوها" هو بنصب "كلمة" عطف على ما قبله. قوله: اشتروا أنفسكم أي: بتوحيد الله، وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، وطاعته فيما أمر به، والانتهاء عمَّا نهى عنه، فإنَّ ذلك هو الذي يُنجي من عذاب الله، لا الاعتماد على الأنساب والأحساب؛ فإنَّ ذلك غير نافعٍ عند ربِّ الأرباب. قوله: لا أُغني عنكم من الله شيئًا فيه حُجَّة على مَن تعلق على الأنبياء والصَّالحين، ورغب إليهم ليشفعوا له وينفعوه، أو يدفعوا عنه؛ فإنَّ ذلك هو الشِّرك الذي حرَّمه الله تعالى، وأقام نبيَّه ﷺ بالإنذار عنه، كما أخبر تعالى عن المشركين في قوله: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، فأبطل الله ذلك، ونزَّه نفسه عن هذا الشِّرك. وسيأتي تقرير هذا المقام إن شاء الله تعالى. إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة الشعراء - تفسير قوله تعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين "- الجزء رقم6. وفي "صحيح البخاري": يا بني عبد مناف، لا أُغني عنكم من الله شيئًا. الشيخ: وهذا من الإنذار والبلاغ العظيم للعام؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: وَأَنْذِرِ النَّاسَ [إبراهيم:44]، وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، وصعد الصفا وأنذرهم عليه الصلاة والسلام، وأخبرهم أنه لا يُغني عنهم من الله شيئًا، كونهم من عشيرته لا يُغني عنهم من الله حتى يُسلموا وينقادوا للحقِّ، حتى بنته، حتى عمّه.
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] جاءت الكثير من الأحاديث النبوية في سبب نزول هذه الآية وما حدث بعد نزولها وذلك من خلال أكثر من راوي للقصة والحديث، وسوف نتناول بالذكر أغلب هذه الأحاديث. وأنذر عشيرتك الأقربين تفسير. سبب نزول الآية: وردت الكثير من الأحاديث في سبب نزول هذه الآية الكريمة وهي: 1. عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما أنزل الله عز وجل {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} أتى النبي صل الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه، ثم نادى: «يا صباحاه» فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح هذا الجبل، تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبًا لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] [رواه البخاري]. 2. عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، قام رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: «يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية ابنة عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ما شئتم» [أخرجه مسلم].
قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 214-215]. قال رسول الله ﷺ: "عرفت أنى إن بادأت بها قومى رأيت منهم ما أكره، فصمت، فجاءنى جبريل عليه السلام فقال لي: يا محمد إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك بالنار". قال على: فدعانى فقال: "يا على إن الله قد أمرنى أن أنذر عشيرتى الأقربين فعرفت أنى إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره فصمتّ عن ذلك ثم جاءنى جبريل عليه السلام فقال: يا محمد: إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك فاصنع لنا يا على شاة على صاع من طعام، وأعدَّ لنا عس لبن، ثم اجمع لى بنى عبد المطلب" ففعلت. آية الإنذار - ويكيبيديا. فاجتمعوا له يومئذٍ وهم أربعون رجلا يزيدون رجلا، أو ينقصون فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث. فقدَّمت إليهم تلك الجفنة، فأخذ رسول الله ﷺ منها حذية فشقها بأسنانه، ثم رمى بها فى نواحيها وقال: "كلوا بسم الله". فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثم قال رسول الله ﷺ: "اسقهم يا على"، فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا منه جميعا وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله فلما أراد رسول الله ﷺ أن يكلمهم بدره أبو لهب - لعنه الله - فقال: لهدَّ ما سحركم صاحبكم؟ فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله ﷺ.
{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} " وأَلِنْ جانبك وكلامك تواضعًا ورحمة لمن ظهر لك منه إجابة دعوتك. " { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} " فإن خالفوا أمرك ولم يتبعوك, فتبرَّأ من أعمالهم, وما هم عليه من الشرك والضلال. " { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} " " { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} " " { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} " " { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} " وفَوِّضْ أمرك إلى الله العزيز الذي لا يغالَب, الرحيم الذي لا يخذل أولياءه, وهو الذي يراك حين تقوم للصلاة, وحدك في جوف الليل, ويرى تقلُّبك مع الساجدين في صلاتهم معك قائمًا وراكعًا وساجدًا وجالسًا, إنه- سبحانه- هو السميع لتلاوتك وذكرك, العليم بنيتك وعملك. #أبو_الهيثم #مع_القرآن 3 0 10, 911
تخريج الحديثين: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه مسلم حديث " 204"، وأخرجه البخاري في " كتاب الوصايا " " باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب" حديث " 2753" معلقاً، وأخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن" باب ومن سورة الشعراء " حديث " 3185"، وأخرجه النسائي في " كتاب الوصايا " " باب إذا وصى لعشيرته الأقربين " حديث " 3646" وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه فأخرجه مسلم حديث "208"، وأخرجه البخاري في " كتاب الجنائز " " باب ذكر شرار الموتى" حديث "1394" وغيرهما، وأخرجه الترمذي في " كتاب تفسير القرآن" " باب ومن سورة تبت يدا " حديث " 3363". شرح ألفاظ الحديثين: • "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ": أي ذوو القرابة القريبة، والعشيرة رهط الرجل الأدنون. " دَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشاً فَاجْتَمَعُوا. فَعَمَّ وَخَصَّ ": كلمة " فَاجْتَمَعُوا " مقدمة وحقها التأخيرـ والتقدير: دعا قريشاً بطريقة التعميم والتخصيص فاجتمعوا، أي دعا معشر قريشاً عموما، ثم خصص ". يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ... " • " أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ": بالإيمان بما جئت به، وفي رواية أخرى:" اشتروا أنفسكم من الله" قال ابن حجر رحمه الله:" اشتروا أنفسكم من الله" أي باعتبار تخليصها من النار، كأنه قال: أسلموا تسلموا من العذاب، فكان ذلك كالشراء، كأنهم جعلوا الطاعة ثمن التجارة" [ الفتح (8 / 503)].
فلما كان من الغد قال رسول الله ﷺ: "يا على عد لنا مثل الذى كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدرنى إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم" ففعلت ثم جمعتهم له. فصنع رسول الله ﷺ كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا، وأيم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها وليشرب مثلها. ثم قال رسول الله ﷺ: "يا بنى عبد المطلب إنى والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل من ما جئتكم به، إنى قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة". هكذا رواه البيهقي، من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق عن شيخ أبهم اسمه، عن عبد الله بن الحارث به. وقد رواه أبو جعفر بن جرير، عن محمد بن حميد الرازي، عن سلمة بن الفضل الأبرش، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار أبو مريم بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن على فذكر مثله. وزاد بعد قوله: "وإنى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرنى الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرنى على هذا الأمر على أن يكون أخى" وكذا وكذا. قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: ولأنى لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأخمشهم ساقا، أنا يا نبى الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتى فقال: "إن هذا أخي، وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا".