[ ص: 422] ( وتأكلون التراث أكلا لما ( 19) وتحبون المال حبا جما ( 20) كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ( 21) وجاء ربك والملك صفا صفا ( 22) وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ( 23)) ( ( وتأكلون التراث) أي الميراث ( أكلا لما) شديدا وهو أن يأكل نصيبه ونصيب غيره ، وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان ، ويأكلون نصيبهم. قال ابن زيد: الأكل اللم: الذي يأكل كل شيء يجده ، لا يسأل عنه أحلال هو أم حرام ؟ ويأكل الذي له ولغيره ، يقال: لممت ما على الخوان إذا أتيت ما عليه فأكلته. ( وتحبون المال حبا جما) أي كثيرا ، يعني: تحبون جمع المال وتولعون به ، يقال: جم الماء في الحوض ، إذا كثر واجتمع. وتأكلون التراث أكلا لما - جولة نيوز الثقافية. ( كلا) ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر. وقال مقاتل: أي لا يفعلون ما أمروا به في اليتيم ، وإطعام المسكين ، ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم ، فقال عز من قائل: ( إذا دكت الأرض دكا دكا) مرة بعد مرة ، وكسر كل شيء على ظهرها من جبل وبناء وشجر ، فلم يبق على ظهرها شيء. ( وجاء ربك) قال الحسن: جاء أمره وقضاؤه وقال الكلبي: ينزل ( والملك صفا صفا) قال عطاء: يريد صفوف الملائكة ، وأهل كل سماء صف على حدة.
لذا أمر سبحانه من تفضل الله عليه بالعطاء أن يتفقد أحوال الأيتام ويكرمهم مما أكرمه الله به, وأن يتفقد أحوال المساكين فيطعمهم مما أطعمه الله, وألا تستغرقه شهوة البطن والمال, فيحرم اليتيم ويبخل على المسكين ويقع في فخ الدنيا وزينتها فتلهيه عن الآخرة ونعميها المنتظر فيتعجل النعم الزائفة ويتسبب في حرمان نفسه من النعم الحقيقية. قال تعالى: { كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)} [ الفجر] قال السعدي في تفسيره: { كَلَّا} أي: ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق، ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. وأيضًا، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط، من ضعف الهمة ، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين، فقال: { كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} الذي فقد أباه وكاسبه، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه.
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وقوله: ( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) يقول تعالى ذكره: وتأكلون أيها الناس الميراث أكلا لمًّا، يعني: أكلا شديدًا لا تتركون منه شيئا، وهو من قولهم: لممت ما على الخِوان أجمع، فأنا ألمه لمًّا: إذا أكلت ما عليه فأتيت على جميعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشي، قال: ثنا الأنصاري، عن أشعث، عن الحسن ( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) قال: الميراث. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ) أي الميراث، وكذلك في قوله: ( أَكْلا لَمًّا). * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، ( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) يقول: تأكلون أكلا شديدا. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلية، عن يونس، عن الحسن، في قوله: ( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) قال: نصيبه ونصيب صاحبه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( أَكْلا لَمًّا) قال: اللمّ السفّ، لفّ كل شيء.