ولسلفنا الصالح رضوان الله عليهم الكثير من المواقف الرائعة، والعبارات المشرقة، التي تدل على تحليهم بالورع، وتمسكهم بالتقوى، فمن أقوالهم: ما جاء عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: "تمام التقوى ترك بعض الحلال خوفًا أن يكون حرامًا"، ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "يزعم الناس أن الورع شديد، وما ورد عليّ أمران إلا أخذت بأشدهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وعن أبي إسماعيل المؤدب قال: "جاء رجل إلى العمري فقال: "عظني"، قال: فأخذ حصاة من الأرض، فقال: "زنة هذه من الورع يدخل قلبك، خير لك من صلاة أهل الأرض". ولقد ظهر أثر الورع جليًا على أفعالهم، فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري رضي الله عنه، أن أبا بكر رضي الله عنه، كان له غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر رضي الله عنه يأكل من خراجه، فجاء له الغلام يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: "تدري ما هذا؟"، فقال: "وما هو؟"، قال الغلام: "كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني، فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه"، فما كان من هذا الخليفة الراشد رضي الله عنه، إلا أن أدخل يده فقاء ما في بطنه. ومما ورد في سير من كانوا قبلنا، ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني؛ إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟، قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقا » ( صحيح البخاري).
كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم النصح لأمته، يوجههم إلى ما فيه خير لمعاشهم ومعادهم، فأمرهم بسلوك درب الصالحين، ووضح لهم معالم هذا الطريق، والوسائل التي تقود إليه، ومن جملة تلك النصائح النبوية، الحديث الذي بين أيدينا، والذي يُرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى اجتناب كل ما فيه شبهة، والتزام الحلال الواضح المتيقن منه. متن الحديث: عن الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله وريحانته رضي الله عنه قال: "حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: « دع ما يريبك، إلى ما لا يريبك »" ( رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). الشرح: كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم النصح لأمته، يوجههم إلى ما فيه خير لمعاشهم ومعادهم، فأمرهم بسلوك درب الصالحين، ووضح لهم معالم هذا الطريق، والوسائل التي تقود إليه، ومن جملة تلك النصائح النبوية، الحديث الذي بين أيدينا، والذي يُرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى اجتناب كل ما فيه شبهة، والتزام الحلال الواضح المتيقن منه. والراوي لهذا الحديث هو: الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبط: هو ولد البنت، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم و للحسن سبع سنين؛ ولذلك فإن الأحاديث التي رواها قليلة، وهذا الحديث منها.
فكان هذا الغلام يُخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه؛ لأن هذا المملوك لا يملك شيئاً، فكل ما يقع في يده فهو ملك لسيده، فجاء يوماً بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلتَ منه. تكهنت لإنسان في الجاهلية، معنى تكهنت: الكهانة: هي نوع من ادعاء علم الغيب، فالكاهن يخبر عن أشياء إما مستقبلية فيقول: إنه سيحصل لك كذا، وسيحصل لك كذا، ستتزوج بامرأة، أو هذه المرأة إذا تزوجت بها لن يحصل وفاق أو نحو هذا، سيحصل لك مال، سيحصل لك كسب، وأحياناً يكون هذا التكهن بأمور واقعة حاصلة، يخبره بها وهذا الإنسان لم يطلع عليها، فهؤلاء الذين يزعمون أنهم يطلعون على الغيوب بطريقة من الطرق هذا كله من الكهانة، وإن سُمي بعضه بأسماء أخرى، خطٌّ على الرمل، قراءة الكف، قراءة الفنجان، الذي يأتي بطائر، ويزعم أن هذا الطائر بحركاته نعرف أن هذا الأمر سيكون كذا أو سيكون كذا، كل ذلك داخل فيه.
إن عمرك أيها الإنسان وصحتك وعافيتك من الأمانات التي حُمِّلتها، فلا تفرط فيها بشغلها بالباطل، فضلاً عن التقصير في الواجبات أو ارتكاب المخالفات، فإن الأمر كما قال الناظم: فمن تفُته ساعةٌ من عمرهِ تكن عليه حسرةٌ في قبرهِ وكما ورد «ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها»، فإذا كان أهل الجنة يتحسرون على الغفلات فكيف بأهل النار؟! فهم الذين يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، فيكون الجواب: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، عياذاً بالله من ذلك، فما كانت تلك الحسرات إلا لعدم اغتنام فرصة العمر فيما يرضي الله تعالى، وعدم اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنسأل الله التوفيق لطاعته والبعد عن معصيته. • التهافت على المكاسب من غير وعي بالحلال منها؛ يوقع المرء في المتشابهات التي تقوده إلى المحرمات. «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي» لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.
عن الموسوعة نسعى في الجمهرة لبناء أوسع منصة إلكترونية جامعة لموضوعات المحتوى الإسلامي على الإنترنت، مصحوبة بمجموعة كبيرة من المنتجات المتعلقة بها بمختلف اللغات. © 2022 أحد مشاريع مركز أصول. حقوق الاستفادة من المحتوى لكل مسلم