وقوله: ( يحسب أن ماله أخلده) أي: يظن أن جمعه المال يخلده في هذه الدار ؟ ( كلا) أي: ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب. ثم قال تعالى: ( لينبذن في الحطمة) أي: ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم من أسماء النار صفة; لأنها تحطم من فيها. ولهذا قال: ( وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة) قال ثابت البناني: تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء ، ثم يقول: لقد بلغ منهم العذاب ، ثم يبكي. [ ص: 482] وقال محمد بن كعب: تأكل كل شيء من جسده ، حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده. وقوله: ( إنها عليهم مؤصدة) أي: مطبقة كما تقدم تفسيره في سورة البلد. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا علي بن سراج ، حدثنا عثمان بن خرزاذ ، حدثنا شجاع بن أشرس ، حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها عليهم مؤصدة) قال: " مطبقة ". وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن أسيد ، عن إسماعيل بن خالد ، عن أبي صالح ، قوله ، ولم يرفعه. ( في عمد ممددة) قال عطية العوفي: عمد من حديد. وقال السدي: من نار. وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة عن ابن عباس: ( في عمد ممددة) يعني: الأبواب هي الممدوة.
قوله تعالى: ﴿الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده﴾ بيان لهمزة لمزة وتنكير ﴿مالا﴾ للتحقير فإن المال وإن كثر ما كثر لا يغني عن صاحبه شيئا غير أن له منه ما يصرفه في حوائج نفسه الطبيعية من أكلة تشبعه وشربة ماء ترويه ونحو ذلك و ﴿عدده﴾ من العد بمعنى الإحصاء أي أنه لحبه المال وشغفه بجمعه يجمع المال ويعده عدا بعد عد التذاذا بتكثره. وقيل: المعنى جعله عدة وذخرا لنوائب الدهر. وقوله: ﴿يحسب أن ماله أخلده﴾ أي يخلده في الدنيا ويدفع عنه الموت والفناء فالماضي أريد به المستقبل بقرينة قوله: ﴿يحسب﴾. فهذا الإنسان لإخلاده إلى الأرض وانغماره في طول الأمل لا يقنع من المال بما يرتفع به حوائج حياته القصيرة وضروريات أيامه المعدودة بل كلما زاد مالا زاد حرصا إلى ما لا نهاية له فظاهر حاله أنه يرى أن المال يخلده، ولحبه الغريزي للبقاء يهتم بجمعه وتعديده، ودغاه ما جمعه وعدده من المال وما شاهده من الاستغناء إلى الطغيان والاستعلاء على غيره من الناس كما قال تعالى: ﴿إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾ العلق 7، ويورثه هذا الاستكبار والتعدي الهمز واللمز. ومن هنا يظهر أن قوله: ﴿يحسب أن ماله أخلده﴾ بمنزلة التعليل لقوله: ﴿الذي جمع مالا وعدده﴾ وقوله: ﴿الذي جمع﴾ إلخ بمنزلة التعليل لقوله: ﴿ويل لكل همزة لمزة﴿.
تفسير و معنى الآية 2 من سورة الهُمَزَة عدة تفاسير - سورة الهُمَزَة: عدد الآيات 9 - - الصفحة 601 - الجزء 30. ﴿ التفسير الميسر ﴾ الذي كان همُّه جمع المال وتعداده. ﴿ تفسير الجلالين ﴾ «الذي جمع» بالتخفيف والتشديد «مالا وعدده» أحصاه وجعله عدة لحوادث الدهر. ﴿ تفسير السعدي ﴾ ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك، ﴿ تفسير البغوي ﴾ ثم وصفه فقال: ( الذي جمع مالا) قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: " جمع " بتشديد الميم على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف. ( وعدده) أحصاه ، وقال مقاتل: استعده وادخره وجعله عتادا له ، يقال: أعددت [ الشيء] وعددته إذا أمسكته. ﴿ تفسير الوسيط ﴾ وقوله- سبحانه-: الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ زيادة تشنيع وتقبيح للهمزة اللمزة... ومعنى «عدده»: جعله عدته وذخيرته، وأكثر من عده وإحصائه لحرصه عليه، والجملة الكريمة في محل نصب على الذم. أى: عذاب وهلاك لكل إنسان مكثر من الطعن في أعراض الناس، ومن صفاته الذميمة أنه فعل ذلك بسبب أنه جمع مالا كثيرا، وأنفق الأوقات الطويلة في عده مرة بعد أخرى، حبا له وشغفا به وتوهما منه أن هذا المال الكثير هو مناط التفاضل بين الناس.