الخامس: إن في ذكرها وسماعها تلذذًا وتنعمًا بحبيب القلوب، وقرة العيون صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو ضرب من الوصال به صلى الله تعالى عليه وسلم؛ لِما فيه من إمتاع حاسة السمع، واللسان بأوصاف المحبوب الذي هو وسيلة إلى حضوره بالقلب؛ فإذا فات النظر إليه بالبصر؛ لم يَفُتِ التمتع إليه بالسمع، والنظر إليه بالبصيرة. السادس: أن ذكر محاسنه صلى الله تعالى عليه وسلم يحرك ما في القلوب من الحب الساكن، والشوق الكامن، ويحصل من انشراح الصدور، وتفريج الكروب ما يناسب إجلاء تلك المحاسن. إن الوقوف على شمائل النبي عليه الصلاة والسلام وخصاله وصفاته بات اليوم من الواجبات المحتمات على كل مسلم ومسلمة؛ لعلَّنا نُوفي بعض حقِّ رسولنا عليه الصلاة والسلام علينا، وقد قيل من عمل لكم معروفًا؛ فكافئوه؛ فكيف ونبيُّنا المبجَّل قد عمل لنا أفضل الأعمال، وأزكاها، وأنماها، وهو إيماننا بهذا الدين الحنيف، الحقِّ، ذي التعاليم السامية، والمبادئ الربانيَّة العظيمة؛ يقول القاضي عياض في بغية الرائد: "إنه لا ينفك أحد من إنعام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم؛ لأن الله تعالى بعثه للناس كافة، وهداهم، ورحمهم به؛ فكلهم تحت نعمته، والثناء عليه فرض لا يتم الإسلام إلا به".
عنوان الكتاب: شمائل النبى صلى الله عليه وسلم (ت: الفحل) المؤلف: الترمذي؛ محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي، أبو عيسى المحقق: ماهر ياسين الفحل حالة الفهرسة: غير مفهرس الناشر: دار الغرب الإسلامي عدد المجلدات: 1 رقم الطبعة: الأولى عدد الصفحات: 300 الحجم (بالميجا): 5 نبذة عن الكتاب: أشرف عليه وراجعه: بشار عواد معروف تاريخ إضافته: 18 / 11 / 2008 شوهد: 17967 مرة رابط التحميل من موقع Archive التحميل المباشر: تحميل تصفح
الشجاعة والإقدام عرف النبي صلى الله عليه وسلم بشجاعته وإقدامه، فكان في الصفوف الأولى من صفوف المجاهدين، ويقاتل في سبيل الله تعالى دون أن يهرب أو يتراجع مهما كانت شدة الحرب، مما دفع الكفار للخوف منه ومن مواجهته. الزهد لم يكن صلى الله عليه وسلم يحب المال، ولا متاع الدنيا، وكان زاهداً بكل ما عنده، ويحب أن يعين الفقراء والمحتاجين به، ويحقق لهم مطالبهم، دون أن يفضّل نفسه عليهم، فقد قال: (لو كان لي مثلُ أُحُدٍ ذهبًا، لسرَّني ألَّا تمُرَّ عليَّ ثلاثُ ليالٍ وعندي منه شيءٌ، إلَّا شيئًا أرصُدُه لدَينٍ) [صحيح].
ومن كريم خلقه صلى الله عليه وسلم رحمته بالصغير وإكرامه للكبير فقال: « ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا! و يعرف لعالمنا حقه » (الألباني:صحيح الجامع:5443)، وهذا يعني أن من لم يكون رؤوف رحيم بالصغير ومُجل وموقر للكبير ويحترم العلم والعلماء فهو ليس من المسلمين وقد خرج من الفطرة النبوية. ومن كريم خلقه إحسانه بالمرأة والضعيف، والحث على معاملتها برفق، لقوله صلى الله عليه وسلم: « خيرُكم خيرُكم لأَهلِه وأنا خيرُكُم لأَهلي ما أكرمَ النِّساءَ إلَّا كريمٌ ولا أهانَهُنَّ إلا لئيمٌ » (السيوطي في الجامع الصغير:4102)، ومن حسن خلقه أمره بإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار وعدم إيذاءه، وعدم التفوه إلا بالخير من الكلام لقوله صلى الله عليه وسلم: « من كانَ يؤمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخِرِ فلا يؤذِ جارَه، ومن كانَ يؤمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه، ومن كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ » (صحيح البخاري: 6018).
(البخاري 4953، ومسلم 160). 1. أمانة النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم معروفاً بالأمانة، حتى سمَّاه قومه قبل البعثة "الأمين"، وبرغم عداوتهم له بعد البعثة، إلا أنهم كانوا يضعون عنده أماناتهم. 2. شمايل النبي صلي الله عليه وسلم للمريض. رأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم رؤوفاً رحيماً بأمته؛ قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وقال جل وعلا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]. 3. عفوه ومغفرته صلى الله عليه وسلم لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً، وقف كبراء مكة وصناديدها بين يديه خاضعين، بعد أن أمعنوا في عداوته وأذيته وأذية أصحابه سنين عدداً، فما كان منه إلا أن قال لهم: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء. 4. حرصه على هداية الخلق صلى الله عليه وسلم وقد بلغ من شدة حرصه على هداية الناس، أنه كاد يُهلِك نفسَه حزناً عليهم، قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].
قلت: صف لي منطقه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فَصْلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمِثا ليس بالجافي ولا المهين، يُعظم النعمة وإن دقت، لا يذم شيئا، لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تُعُرِّض للحق بشيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قَلَبَها، وإذا تحدث اتصل بها، فضرب بإبهامه اليمنى راحتَه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جُل ضحكه التبسم، ويَفترُّ عن مثل حب الغمام. شمايل النبي صلي الله عليه وسلم بخط الرقعه. قال الحسن: فكتمتُها عن الحسين بن علي زمانا، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، فسأل أباه عن مدخل رسول صلى الله عليه وسلم، ومخرجه، ومجلسه وشكله، فلم يدع منه شيئا. قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كان دخوله لنفسه، مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جَزَّأَ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقِسمتُه على قدر فضلهم في الدين.