وقوله: (وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) اختلف أهل التأويل في حال الذكر الذي وصف الله به هؤلاء المستثنين من الشعراء, فقال بعضهم: هي حال منطقهم ومحاورتهم الناس, قالوا: معنى الكلام: وذكروا الله كثيرا في كلامهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) في كلامهم. وقال آخرون: بل ذلك في شعرهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) قال: ذكروا الله في شعرهم. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف هؤلاء الذين استثناهم من شعراء المؤمنين بذكر الله كثيرا, ولم يخص ذكرهم الله على حال دون حال في كتابه, ولا على لسان رسوله, فصفتهم أنهم يذكرون الله كثيرا في كلّ أحوالهم. وقوله: ( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) يقول: وانتصروا ممن هجاهم من شعراء المشركين ظلما بشعرهم وهجائهم إياهم, وإجابتهم عما هجوهم به. صحيفة الوطن البحرينية | مقال عبدالرحمن الملحم - وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون _تنبض #البحرين. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: ( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) قال: يردون على الكفار الذين كانوا يهجون المؤمنين.
وقوله: ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) وهذا استثناء من قوله ( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). اعراب جمله وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وذكر أن هذا الاستثناء نـزل في شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم, كحسان بن ثابت, وكعب بن مالك, ثم هو لكلّ من كان بالصفة التي وصفه الله بها. وبالذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة وعليّ بن مجاهد, وإبراهيم بن المختار, عن ابن إسحاق, عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط, عن أبي الحسن سالم البراد مولى تميم الداري, قال: لما نـزلت: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) قال: جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة, وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم يبكون, فقالوا: قد علم الله حين أنـزل هذه الآية أنا شعراء, فتلا النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثنا محمد بن إسحاق, عن بعض أصحابه, عن عطاء بن يسار, قال: نـزلت (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) إلى آخر السورة في حسَّان بن ثابت, وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.
وروى محيي السنة الذين ظلموا أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن عباس وابن أرقم عن الحسن {أَيُّ} بالفاء والتاء والتاء الفوقية من الانفلات بعنى النجاة، والمعنى إن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات {مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ} هنا معلقة وأي استفهام مضاف إلى {مُنقَلَبٍ} والناصب له {يَنقَلِبُونَ} ، والجملة سادة مسد المفعولين كذا في البحر. وقال أبو البقاء: أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف والعامل {يَنقَلِبُونَ} أي ينقلبون انقلابًا أي منقلب ولا يعمل فيه يعلم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله: وتعقب بأنه تخليط لأن أيًا إذا وصف بها لم تكن استفهامًا. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون اعراب. وقد صرحوا بأن الموصوف بها قسيم الاستفهامية، وتحقيق انقسام أي يطلب من كتب النحو والله تعالى أعلم. اهـ.. قال صاحب روح البيان: {وَتَوكَّلْ} في جميع حالاتك {عَلَى الْعَزِيزِ} الذي لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه فهو يقدر على قهر أعدائه. {الرَّحِيمُ} الذي يرحم من توكل عليه وفوض أمره إليه بالظفر والنصرة فهو ينصر أولياءه ولا تتوكل على الغير فإن الله تعالى هو الكافي لشر الأعداء لا الغير والتوكل على الله تعالى في جميع الأمور والإعراض عما سواه ليس إلا من خواص الكمل جعلنا الله وإياكم من الملحقين بهم ثم أتبع به قوله: {الَّذِى يُرِيكُمُ} إلخ لأنه كالسبب لتلك الرحمة أي توكل على من يراك.
{وَأَكْثَرُهُمْ} أي: الأفاكين {كَاذِبُونَ} فيما قالوه من الأقاويل وليس محمد كذلك فإنه صادق في جميع ما أخبر من المغيبات والأكثر بمعنى الكل. كلفظ البعض في قوله: {وَلاحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (آل عمران: 50) أي كله وذلك كما استعملت القلة في معنى العدم في كثير من المواضع. وقال بعضهم: إن الأكثرية باعتبار الأقوال لا باعتبار الذوات حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين وليس معنى الأفاك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادرًا في بعض الأحيان. وقال في كشف الأسرار: استثنى منهم بذكر الأكثر سطحيًا وشقًا وسواد بن قارب الذين كانوا يلهجون بذكر رسول الله وتصديقه ويشهدون له بالنبوة ويدعون الناس إليه. قال في حياة الحيوان: وأما شق وسطيح الكاهنان فكان شق إنسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة وكان سطيح ليس له عظم ولا بنان إنما كان يطوى كالحصير لم يدرك أيام بعثة رسول الله عليه السلام وكان في زمن الملك كسرى وهو ساسان. {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} يعني: ليس القرآن بشعر ولا محمد بشاعر لأن الشعراء يتبعهم الضالون والسفهاء وأتباع محمد ليسوا كذلك بل هم الراشدون المراجيح الرزان وكان شعراء الكفار يهجون رسول الله وأصحابه ويعيبون الإسلام فيتبعهم سفهاء العرب حيث كانوا يحفظون هجاءهم وينشدون في المجالس ويضحكون.