وورد فيه حديث آخر رواه الترمذي في سننه قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى وإبراهيم بن يعقوب وغير واحد ، قالوا: حدثنا حماد بن عيسى الجهني ، عن حنظلة بن أبي سفيان الجحمي عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) قال محمد بن المثنى في حديثة: (لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه) قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى ، وقد انفرد به وهو قليل الحديث ، وحنظلة بن أبي سفيان ثقة ، وثقة يحيى بن سعيد القطان. اهـ. ولكن فيه حماد بن عيسى وهو ضعيف ، وقد تفرد به على ما ذكره الترمذي. ولما كان الدعاء عبادة مشروعة ، ولم يثبت في مسح الوجه بالكفين سنة قولية أو عملية ، بل روي ذلك من طرق ضعيفة – فالأولى تركه ؛ عملاً بالأحاديث الصحيحة التي لم يذكر فيها المسح" انتهى. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز... الشيخ عبد الرزاق عفيفي... الشيخ عبد الله بن غديان... الشيخ عبد الله بن قعود. "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/215). وينظر: جواب السؤال رقم ( 39174).
وقال النفراوي في الفواكه الدواني من كتب المالكية: "ويُسْتَحَب أن يَمْسَحَ وجهه بيديه عقبه -أي: الدعاء- كما كان يفعله عليه الصلاة والسلام" ([6])). وقد ذكر الإمام النووي من الشافعية من جملة آداب الدعاء مسح الوجه بعد الدعاء في باب الأذكار المستحبة في كتابه المجموع فقال: "ومن آداب الدعاء كونه في الأوقات والأماكن والأحوال الشريفة واستقبال القبلة ورفع يديه ومسح وجهه بعد فراغه وخفض الصوت بين الجهر والمخافتة" ([7])). وجَزَمَ الإمام النووي في التحقيق أنه مندوب كما نقله عنه الشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ الخطيب الشربيني ([8]). ). وقال البهوتي من الحنابلة: "(ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيهِ هُنَا) أي: عقب القنوت (وَخَارَجَ الصَّلَاةِ) إِذَا دَعَا" ([9]). ). والدليل على ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء؛ فعن عمر رضي الله تعالى عنه قال: {كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَدَّ يَدَيهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدَهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ}([10]). ). قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: "أخرجه الترمذي، له شواهد منها حديث ابن عباس عند أبي داود, وغيره, ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن" ([11]).
ومحمَّد بن فليح وأبوه فليح بن سليمان قد أخرج لهما البخاري في صحيحه واحتج بهما. وقد نقل السيوطي في "فض الوعاء" عن الحسن البصري فعله لمسح الوجه باليدين بعد الدعاء: "قال الفريابي: حدثنا إسحق بن راهويه أخبرنا المعتمر بن سليمان قال: رأيت أبا كعب -صاحب الحرير – يدعو رافعا يديه، فإذا فرغ مسح بهما وجهه. فقلت له: مَن رأيتَ يفعل هذا؟ قال: الحسن بن أبي الحسن. إسناده حسن" ([16])). وعليه فما يصدر من بعض المتسرعين في الإنكار على من يمسح وجهه بعد الدعاء من الناس لا وجه له؛ ومن المقرر شرعًا أنه إنما يُنكر المتفق عليه ولا يُنكر المختلف فيه، ومَن أبى ذلك تقليدًا لمن أنكر ذلك فلا حرج عليه بشرط عدم الإنكار على مَن فعلها؛ لأنه لا إنكار في مسائل الخلاف. والله أعلم. ________________________________________ ([1]) أخرجه أحمد في مسنده (4/267)، أبو داود في كتاب «سجود القرآن» باب «الدعاء» حديث (1479)، والترمذي في كتاب «تفسير القرآن» باب «سورة البقرة» حديث (2969) وقال: "حسن صحيح"، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «فضل الدعاء» حديث (3828)، وابن حبان في كتاب «الرقائق» باب «الأدعية» حديث (890)، والحاكم (2/142) حديث (1802) وصححه، ووافقه الذهبي.
هذه الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه تبين لنا بجلاء الميزان الشرعي الذي يكشف لنا حرص النبي عليه الصلاة والسلام على الناس؛ كيف لا، وهو من قال عنه ربه عز وجل: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. تتحقق الرحمة بالناس جميعا على اختلاف فئاتهم، وانتماءاتهم، وهذا ما ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً حياً في أكثر من موطن؛ ليكون درساً لمن يأتي من بعده يتقلد بقلادة الحسبة، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمثلة مع أنصاره وأتباعه، وأعدائه ومن آذوه، ففي بداية دعوته عليه الصلاة والسلام بعد أن آذاه المشركون، ولقي منهم ما لقي يوم العقبة، بعث الله عز وجل إليه ملك الجبال ليأمره بما شاء فيهم، فلم ينتصر لنفسه بعد كل هذا الأذى والعنت، بل قال صلى الله عليه وسلم لملك الجبال: « بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً » (رواه البخاري: [3059]، ومسلم: [1795]).
فَأُتِيَ به فَبَصَقَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا؟ فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ. سهل بن سعد الساعدي | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4210 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] خَيْبَرُ قَرْيةٌ كانت يَسكُنُها اليَهودُ، وكانت ذاتَ حُصونٍ ومَزارِعَ، وتَبعُدُ نحْوَ 173 كيلو تَقْريبًا منَ المَدينةِ إلى جِهةِ الشَّامِ، وقدْ غَزاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلِمون، وفتَحَها اللهُ لهم في السَّنةِ السَّابعةِ منَ الهِجْرةِ.
وأخرجه أبو داود (3661) مختصراً بلفظ:" وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ". معاني الكلمات الواردة في الحديث: قوله:"يهدي الله": الهدى هنا: هو البيان والدلالة والإرشاد، وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم [2]. قوله: "خَيْرٌ لَكَ": أي: خير لك من كل ما يستحسن في الدنيا. قيل المراد: خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها، وقيل: تقتنيها وتملكها [3]. قوله:"حُمْرُ النَّعَمِ": بسكون الميم من حُمْرِ، وبفتح النون والعين المهملة: وهو من ألوان الإبل المحمودة. لأن يهدي الله بك رجلا. وهي أنفس أموال العرب ويضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه [4]. المستفاد من الحديث: 1- بوب له أبو داود:"باب فضل نشر العلم" [5]. 2- والحديث يدل على فضل العلم والتعليم وشرف منزلة أهله بحيث إذا اهتدى رجل واحد بالعالم كان ذلك خيراً له من حمر النعم، وهي خيارها وأشرفها عند أهلها، فما الظن بمن يهتدي به كل يوم طوائف من الناس [6]. 3- وفي هذا الحديث حث على الدعوة إلى الله عز وجل [7]. 4- وفيه الترغيب في التسبب لهداية من كان على ضلالةٍ، وأن ذلك خيرٌ للإنسان من أجل النعم الواصلة إليه في الدنيا [8].
[3] مستفاد من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (1/145)، و"فتح الباري" للحافظ ابن حجر (7/478). [4] مستفاد من "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (7/478)، و"شرح النووي على صحيح مسلم" (15/178). [5] سنن أبي داود (3/321). [6] أفاده الإمام ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/62). [7] قاله العلامة ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (5/430). [8] أفاده الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (7/275). [9] قاله الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/179). [10] أفاده الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/178). [11] كما في "عمدة القاري" (14/214)، (16/215). لأن يهدي الله ا. [12] مستفاد من "فتح الباري" (7/478). [13] أفاده الإمام ابن باز في "الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري" (3/287). [14] "الملخص في شرح كتاب التوحيد" لابن فوزان (ص/60).