س: هل الإنسان مسير أو مخير؟ ج: الإنسان مسير وميسر ومخير، فهو مسير وميسر بحسب ما مضى من قدر الله، فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، قدر كل شيء ، وسبق علمه بكل شيء، كما قال : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد: 22]، وقال عز وجل في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن: 11]. فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى، وكل مسير وميسر لما خلق له، كما قال سبحانه: هو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس: 22] وقال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5 - 10] وقال النبي ﷺ: إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء أخرجه مسلم في صحيحه.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وقوله ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه, وفي هذا بيان, أن الله جلّ ثناؤه, توعد هؤلاء المجرمين على تكذيبهم في القدر مع كفرهم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. الإيمان بالقدر ومفهوم الجبر والاختيار - إسلام أون لاين. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنا هشام بن سعد, عن أبي ثابت, عن إبراهيم بن محمد, عن أبيه, عن ابن عباس أنه كان يقول: إني أجد في كتاب الله قوما يسحبون في النار على وجوههم, يقال لهم ( ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) لأنهم كانوا يكذّبون بالقَدَرِ, وإني لا أراهم, فلا أدري أشيء كان قبلنا, أم شيء فيما بقي. حدثنا ابن بشار وابن المثنى, قالا ثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: ثنا سفيان, عن زياد بن إسماعيل السَّهْمِيّ, عن محمد بن عباد بن جعفر, عن أبي هريرة أن مشركي قريش خاصمت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في القَدَر, فأنـزل الله ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ). حدثنا ابن بشار وابن المثنى وأبو كُرَيب, قالوا: ثنا وكيع بن الجرّاح, قال: ثنا سفيان, عن زياد بن إسماعيل السَّهميّ, عن محمد بن عباد بن جعفر المخزوميّ, عن أبي هريرة, قال: جاء مشركو قريش إلى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخاصمونه في القَدَرِ, فنـزلت ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ).
وَصَدََّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (سورة الليل: 5-10) ولم يَرْتَضِ بعض العلماء هذا التفسير للمحو والإثبات في اللوح المحفوظ، فذلك يكون في صحف الملائكة لا في علم الله سبحانه ولَوْحُهُ المحفوظ، ذكره الآلوسي والفخر الرازي في التفسير. محمد مهران يكتب.. ” تعرضوا لنفحات الله فكلٌ مُيسر لما خُلق له “ - صوت اليوم. والنقطة الثانية: ما جاء فيه من أن ليلة النصف من شعبان هي التي يُفْرَقُ فيها كل أمر حكيم ويُبرم. فهو ليس بصحيح فقد قال عكرمة: من قال ذلك فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان، فالليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم نزل فيها القرآن، والقرآن نزل في ليلة القدر. وفي شهر رمضان. ومن قال: هنا كحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "تُقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لَينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" فالحديث مرسل، ومثله لا تُعارضبه النصوص "المواهب اللدنية ج 2 ص 260" وإن حاول بعضهم التوفيق بينهما بأن ما يحصل في شعبان هو نقل ما في اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة. ولا داعي لذلك فالدعاء المأثور في الكتاب والسنة أفضل. الشيخ عطية صقر رحمه الله
قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَ لطول سجودك، فقال: "أَتَدْرِينَ أَيُّ ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال "هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد كما هم" رواه البيهقي من طريق العلاء بن الحارث عنها، وقال: هذا مرسل جيد. يعني أن العلاء لم يسمع من عائشة. وروى ابن ماجة في سننه بإسناد ضعيف عن علي ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا ـ أي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا لَيْلَهَا وصُوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيه الغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألامُبْلًى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر". بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال: إن لليلة النصف من شعبان فضلاً، وليس هناك نص يمنع ذلك، فشهر شعبان له فضله روى النسائي عن أسامة بن زيد ـرضي الله عنهما ـ أنه سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: لم أَرَكَ تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع علمي وأنا صائم".
فللعباد إرادة، ولهم مشيئة، وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [النور: 53] وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30] وقال تعالى: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل: 88] فالعبد له فعل وله صنع وله عمل، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله، وقال عز وجل: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [المدثر: 55 - 56] وقال سبحانه: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28 - 29]. فكل إنسان له مشيئة، وله إرادة، وله عمل، وله صنع، وله اختيار ولهذا كلف، فهو مأمور بطاعة الله ورسوله، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله، مأمور بفعل الواجبات، وترك المحرمات، مأمور بأن يعدل مع إخوانه ولا يظلم، فهو مأمور بهذه الأشياء، وله قدرة، وله اختيار، وله إرادة فهو المصلي، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهكذا في جميع الأفعال، هو الآكل، وهو الشارب. فهو مسئول عن جميع هذه الأشياء؛ لأن له اختيارا وله مشيئة، فهو مخير من هذه الحيثية؛ لأن الله أعطاه عقلا وإرادة ومشيئة وفعلا، فهو ميسر ومخير، مسير من جهة ما مضى من قدر الله، فعليه أن يراعي القدر فيقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156] إذا أصابه شيء مما يكره، ويقول: قدر الله وما شاء فعل، يتعزى بقدر الله، وعليه أن يجاهد نفسه ويحاسبها بأداء ما أوجب الله، وبترك ما حرم الله، بأداء الأمانة، وبأداء الحقوق، وبالنصح لكل مسلم، فهو ميسر من جهة قدر الله، ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار.
وبلغ ذلك أُبي بن خلف فقال: صبئتَ يا عقبة؟ قال: لا والله ما صبأتُ، ولكن دخل عليَّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلاّ أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدتُ له فطعم، فقال أُبي: ما كنتُ براض عنك أبداً حتى تأتي فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة وارتدَّ، وأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه، فقال النبي(ص): لا ألقاك خارجاً من مكّة إلاّ علوتُ رأسك بالسيف، فضرب عنقه يوم بدر صبراً، وأمّا أُبي بن خلف فقتله النبي(ص) يوم أُحد بيده في المبارزة". وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله(ص) عاد بزاقه في وجهه، فأحرق خديه، وكان أثر ذلك فيه حتى مات. وقيل نزلت في كل كافر أو ظالم تبع غيره في الكفر أو الظلم وترك متابعة أمر الله تعالى. ( 1) نزلت الآيات أعلاه لترسم صورة مصير الرجل الذي يُبتلى بخليل ضال، ويجره إلى الضلال. تفسير قوله تعالى: ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. وقلنا مراراً أنّ سبب النّزول وإن يكن خاصّاً، إلاّ أنّه لا يقيد مفهوم الآيات أبداً، وعمومية المفهوم تشمل جميع المصاديق. 1 - سوره البقرة، الآية 255.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم, قال: ثني الحسين, قال: ثني حجاج عن ابن جُرَيج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس قال: كان أُبيّ بن خلف يحضر النبيّ صلى الله عليه وسلم, فزجره عقبة بن أبي معيط, فنزل: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا)... إلى قوله ( خَذُولا) قال: ( الظَّالِمُ): عقبة, وفلانا خليلا أُبيّ بن خلف. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة، عن الشعبيّ في قوله: ( لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا) قال: كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف, فأسلم عقبة, فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا فكفر; وهو الذي قال: ( لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا). القران الكريم |يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قتادة وعثمان الجزري, عن مقسم في قوله: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) قال: اجتمع عقبة بن أبي معيط وأبيّ بن خلف, وكانا خليلين, فقال أحدهما لصاحبه: بلغني أنك أتيت محمدا فاستمعت منه, والله لا أرضى عنك حتى تتفل في وجهه وتكذّبه, فلم يسلطه الله على ذلك, فقتل عقبة يوم بدر صبرا (4).
وهذان الأخيران هما اللذان يجريان في هذه الآية إن حُمِلت على إرادة خصوص عُقبة وأُبَيَ أو حملت على إرادة كل مشرك له خليل صَدّه عن اتّباع الإسلام. وإنّما تمنّى أن لا يكون اتّخذه خليلاً دون تمنِّي أن يكون عصاه فيما سوّل له قصداً للاشمئزاز من خلّته من أصلها إذ كان الإضلال من أحوالها.