مواقف أبو بكر الصديق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم وهو رضي الله عنه أول خليفة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وكان له في الإسلام مواقف ندَر أن يقوم بها رجلٌ غيره رضي الله عنه ، فيكفي له موقفاً في الإسلام أن قضى على المرتدّين الذين انقلبوا على اعقابهم بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وحارب من رفض الزكاة ، وبهذا الشأن استقامت أركان الدولة الإسلاميّة وقَويَ شأنها.
وتوفيَ رضي الله عنه يوم الإثنين في الثاني والعشرين من جمادى من السنة الثالثة عشرة للهجرة وعمره حين توفّي ثلاث وستون سنة رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه ودُفِنَ بجانب صاحبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان التيمي القرشي كنيته أبو بكر، لقب بالصديق، لأنّه كان من أوائل من اتبع الدين الإسلامي وصدقه دون نقاش أو جدال، وله قيمته ومكانته العالية في الإسلام فقد كان أقرب الرجال إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه أثناء هجرته إلى المدينة والخليفة الأوّل للمسلمين بعد وفاته وواحد من العشرة المبشرين بالجنة. حياته ولد أبو بكر الصديق في عام 753 م، وقد كان أحد عظماء قريش وأغنيائها في فترة الجاهلية، وعندما عرض عليه سيدنا محمد الإسلام أسلم بلا تردد، كما كان دائم المرافقة للنبي وحضر معه جميع رحلاته وغزواته، ممّا جعله ملم بجميع نواحي الدين الإسلامي، وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام قام المسلمون بمبايعته ليكون أوّل خليفة للمسلمين، وقد شهدت الدولة الإسلامية توسع وازدهار في عهده حيث قام بضمّ الجزيرة العربية بأكملها وبلاد الشام والعراق إلى إدارة الدولة الإسلامية. وفاته مرض أبو بكر الصديق مرضاً شديداً في شهر جمادى الآخرة من العام الثالث عشر للهجرة، وعندما تمكن منه المرض قام بجمع المسلمون ليطلعهم على شدة مرضه ودنو أجله، وعلى رغبته في إختيار خليفة للمسلمين من بعده في حياته حتى لا يختلف المسلمون بعده ويتفرقوا، وبعد مشاورات بينه وبين كبار المسلمين قاموا باختيار عمر بن الخطاب ليكون خليفة المسلمين من بعده، وقام بكتابة عهد مكتوب في ذلك ليعمم بين المسلمين.
[معنى: صنائع المعروف تقي مصارع السوء] Q ما معنى هذا الحديث إن كان حديثاً: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) أرجو شرح هذا الحديث شرحاً وافياً؟ A أما هذا الحديث فقد تكلم العلماء رحمهم الله على سنده، فهو حديث ضعيف ولكن معناه صحيح، فهو صحيح المعنى لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الصدقة تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار) فأخبر أن الصدقة تطفئ غضب الرب، والصدقة من صنائع المعروف. وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها -في صلاة الكسوف- (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس إذا كسفت الشمس أن يدعوا وأن يصلوا وأن يتصدقوا) ، فدل هذا -كما يقول العلماء- على أن أعظم أسباب الخير الصدقة وفعل المعروف. وأذكر حادثة قصها رجل من أصدقاء الوالد غريبة جداً، وسمعته بأذني يحكيها للوالد رحمة الله عليهما -فقد توفيا- يقول هذا الرجل -أحسبه من الأخيار والصالحين وهو رجل كان أميراً في قومه- أنه كان نازلاً من الطائف إلى مكة في يوم الجمعة وكان معه ابنه، فأراد الله عز وجل أنه رأى رجلاً ضعيفاً، فقال لابنه: قف لهذا الضعيف، فكأن الابن رأى إلى رثاثة حال هذا الضعيف وما هو عليه من الملبس الرث، فكره أن يركب معه في هذه السيارة الفارهة.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن صدقة السر تطفىء غضب الرب، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وإن صلة الرحم تزيد في العمر وتقي الفقر، وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة وإن فيها شفاء من تسعة وتسعين داء ـ أدناها الهم. وفي رواية: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف. رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني. وأخرج البخاري ـ في الأدب المفرد من حديث ا بن عمر ـ مرفوعا: من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره، وثرى ماله، وأحبه أهله. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء. رواه الترمذي وغيره. قال العلماء: والمراد بميتة السوء أو مصارع السوء: ما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ـ كالهدم والتردي والغرق والحرق، وأن يتخبطه الشيطان عند الموت، وأن يقتل في سبيل الله مدبرا. وقال بعضهم: هي موت الفجاءة. وقيل ميتة الشهرة ـ كالمصلوب. ومثل ذلك: الحوادث والكوارث التي تشاهد اليوم في كل مكان.
يقول الوالد: فعلمت ما في نفس ابني، فلما ركب الرجل ذكرت ابني بصنائع المعروف، وأن الله يقي بها مصارع السوء، وأن الله يحفظ بها، وأن الله يلطف بها، فلما دخلنا إلى مكة ونحن في أشد ما تكون السيارة في السرعة لندرك الجمعة، وإذا بطفل أمام السيارة تماماً لا نستطيع أن نفر عنه، فمرت عليه السيارة، فأصابه شيء من الرعب، فتوقفنا على أن الابن قد قضى ومات، وإذا به قائم على رجليه ليس به أي بأس. يقول: فلما ركبت السيارة انكفأت على وجهي وأنا في حالة لا يعلمها إلا الله، قلت: يا بني والله ما أعرف لك إلا هذا المعروف الذي فعلته فحفظنا الله وإياك به. وهذا عاجل ما يكون في الدنيا، فالله يلطف، وغالباً إذا رحم الإنسان عباد الله لطف به الله عز وجل، والقصص في ذلك كثيرة جداً في لطف الله، وأن صنائع المعروف يحفظ الله جل وعلا بها، والله تعالى أعلم.
فحري بالمؤمن أن يبذل المعروف لمن يعرف ومن لا يعرف حتى يكون هذا دأبه، ولا يحتقر من المعروف شيئا، ولربما درأ الله تعالى عن العبد كريهات القدر بمعروف بذله لم يظن أنه رد أمرا عظيما عنه. هذا؛ والعالم يُتخطف من حولنا وقد سلمنا الله تعالى، ولعل هذه السلامة بالمعروف الذي يبذله أهل هذه البلاد المباركة حكومة وشعبا للبلاد المنكوبة، وليس خافيا على أحد جهود هذه البلاد المباركة في إنقاذ اليمن من السقوط في براثن المد الصفوي الذي اتخذ من الحوثيين ذراعا له؛ لتحقيق مآربه، والسعي الحثيث لإعادة الأمن والاستقرار لليمن وعموم المنطقة باقتلاع المخالب الباطنية التي يغرسها الصفويون في جسد هذه الأمة المثخنة بالجراح، وإعادة الأمل لأهل اليمن وعموم المسلمين بكسر المشروع الباطني ودفنه، عجل الله تعالى ذلك بكرمه ومنه. وصلوا وسلموا على نبيكم...
هذا عدا ما يناله من دعاء من بذل لهم معروفه، وصنع فيهم صنيعته. ومن آثار اصطناع المعروف: رد سوء المقادير في النفس والأهل والولد والمال؛ كما في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ... » رواه الطبراني. ومن آثار اصطناع المعروف: تفريج كرب الدنيا والآخرة؛ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ... » رواه مسلم. وكل ما ذكر في الحديث يجمعه اصطناع المعروف. ومن آثار اصطناع المعروف: محبة الناس ودعاؤهم؛ لأن النفوس مجبولة على حب من يتمنى لها الخير، ويصنع لها المعروف، ويبذل لها ماله وجاهه ووقته ونفسه، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» وقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه: « مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ سَبَقَ مِنِّي إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَضَاءَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ سَبَقَ مِنِّي إِلَيْهِ سُوءٌ إِلَّا أَظْلَمَ مَا بَيْنِي وبينه ».
قال مجاهد: «أي: نَفَّاعًا للناس أينما كنت» ولا شك في أن من بذل للناس منفعة دينية أو دنيوية فهو مبارك، وهذا هو بذل المعروف. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بذل نفسه للناس حتى حطموه كما في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ» رواه مسلم. قال ابن الجوزي: كَأَنَّهُمْ بِمَا حمّلوه من أثقالهم صيروه شَيخا محطوما. وخطب عثمان رضي الله عنه فَقَالَ: «إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ» رواه أحمد. وسار سلف الأمة على الهدي النبوي في بذل المعروف، ونفع الناس، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: «وَاللَّهِ لَأَنْ أَقْضِيَ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ حَاجَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ». وقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ رحمه الله تعالى: «أَيُّ الدُّنْيَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ».