ثالثا: إذا قمنا بالواجبين السابقين كنا مؤهلين لأخذ زمام المبادرة ، لندعو نحن غيرنا ، ونخبرهم بالحق الذي عندنا ، ونكشف لهم ، بالتي هي أحسن ، الباطل الذي عندهم ، بدلا من أن نقف موقف الدفاع ، شأن الضعفة والمنهزمين. والله الموفق.
(فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي: ثوابهم عند ربهم. • وفي تسمية ثوابهم أجراً تأكيد لتكفله -عز وجل- لهم بذلك، وفي كونه عند ربهم تعظيم له، لأنه الكريم الجواد. (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي: فيما يستقبلونه من أمر الآخرة. (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي: على ما فاتهم من أمور الدنيا. • هذه الآية هي قطعاً في الأمم التي كانت قبل مبعث النبي، فإن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب، فمن تبع الأنبياء وقبِل دعوتههم واستجاب لهم فإن الله وعده بالرحمة والجنة، وأما بعد مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله لا يقبل من أحد سوى الإسلام. إعراب قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر الآية 69 سورة المائدة. كما قال (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم. • فقد جاءت الآيات القرآنية في كفر اليهود والنصارى، وكونهم مشركين لا يقبل الله منهم إيماناً ولا عملاً قال تعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
الصابئة من أقدم الأديان فكرا ووجدت قبل المجوسية التي يرجع نشاطها إلى (زرادشث)، وقبل الحنيفية التي دعا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام – القول الثاني: اختار بعض العلماء أن الصابئة قوم لهم عقائدهم الخاصة، وهم أتباع لكتاب سماوي، إلا أنهم اختلفوا على أي دين سماوي ينتمون. يقول قتادة: الصابئون قوم يعبدون الملائكة، يصلون إلى القبلة، ويقرؤون الزبور. إعراب قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله الآية 17 سورة الحج. وسئل السدي عن الصابئين، فقال: هم طائفة من أهل الكتاب. – القول الثالث: في مقابل ذلك كله نرى بعض العلماء يرجحون أن الصابئة من أقدم الأديان فكرا ووجدت قبل المجوسية التي يرجع نشاطها إلى (زرادشث)، وقبل الحنيفية التي دعا إليها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكان أتباعها أمما من الفرس والروم والهند والنبط، حتى نقل الشهرستاني أن هذه الأمة كانت من أكبر الأمم وأقدمها شملت دولا من الشرق، ودولا من الغرب. ومما يقوي هذا القول ما ذكره الألوسي في بلوغ الأرب (2/24): الصابئة قوم إبراهيم، كانوا بحران، فهي دار الصابئة الأولى وكانوا قسمين هما: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون. وهذا القول يفيد أن البابليين الذين سيطروا على العراق وقتها كانوا يدينون بالصابئة حتى جاءتهم رسالة إبراهيم عليه السلام فآمن فريق منهم وكفر آخرون، لذلك أطلق عليهم ابن حزم: أن الصابئين هم المكذبون بنبوة إبراهيم عليه السلام[1].
وإنما محل الإشكال هو الآية الثالثة ، آية سورة المائدة ؛ فقد وقعت في نفس موقعها في الآيتين الأوليين ، ومع ذلك جاءت مرفوعة. وقد ذكر النحاة والمفسرون في توضيح ذلك الإشكال عدة وجوه ، وذكروا نظائرها المعروفة في لغة العرب ، ونكتفي هنا بثلاثة منها ، هي من أشهر ما قيل في ذلك: الأول: أن الآية فيها تقديم وتأخير ، وعلى ذلك يكون سياق المعنى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ، من آمن بالله... فلا خوف عليهم ، ولاهم يحزنون ، والصابئون كذلك ، فتعرب مبتدأً مرفوعا ،وعلامة رفعه الواو ، لأنه جمع مذكر سالم.
إنَّ الخَلِيفَـــةَ إن اللـــهَ سَــرْبَلَهُ سِـرْبالَ مُلْـكٍ بِـهِ تُرْجَـى الخَـوَاتِيمُ (1) وكان الفرّاء يقول: من قال هذا لم يقل: إنك إنك قائم، ولا إن إياك إنه قائم، لأن الاسمين قد اختلفا، فحسن رفض الأوّل، وجعل الثاني كأنه هو المبتدأ، فحسن للاختلاف وقبح للاتفاق. وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يقول: إن الله على كل شيء من أعمال هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله جلّ ثناؤه، وغير ذلك من الأشياء كلها شهيد لا يخفى عنه شيء من ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد بقلبك، فتعلم أن الله يسجد له من في السماوات من الملائكة، ومن في الأرض من الخلق من الجنّ وغيرهم، والشمس والقمر والنجوم في السماء، والجبال، والشجر، والدوابّ في الأرض، وسجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس، وحين تزول، إذا تحولّ ظلّ كل شيء فهو سجوده.
ولنلحظ أن كلمة " الصابئين " في هذه الآية منصوبة. وفي سورة المائدة نجد قول الحق: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة: 69]. ولنلحظ أن كلمة " الصابئون " هنا مرفوعة ومقدمة على كلمة " النصارى ". وفي آية سورة الحج يقول الحق: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17]. هنا إخبار عن أربعة، وزاد الحق عليهم اثنين في آية الحج، ونجد أن الإخبار يختلف، وكذلك يختلف الأسلوب، فمرة تتقدم النصارى على الصابئين، ومرة تتقدم الصابئون على النصارى، ومرة تكون الصابئون مرفوعة، ومرة تكون منصوبة بالياء. وأما اختلاف الإخبار، فهو سبحانه يخبرنا في سورة البقرة فيقول: { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
معاني المفردات: النداء: الأذان. الدعوة التامة: كلمة التوحيد، وقد جمعت كلها في الأذان. الصلاة القائمة: أي الصلاة التي يدعى للقيام إليها والقيام بها. الوسيلة: فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر حيث قال" ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو " رواه مسلم الفضيلة: المرتبة الزائدة على سائر الخلائق. ابعثه مقاماً محموداً: اعطه واجزه مقاماً يحمده الخلائق عليه يوم القيامة والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى عند أكثر العلماء. الذي وعدته: أي في قوله سبحانه (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً). من فوائد الحديث: 1- الحث على المحافظة على هذا الدعاء عقب الأذان 2- النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم شرع لنا أن نصلي عليه، وأن ندعو له بهذا الدعاء عقب النداء.
إذاً: هذا هو الدعاء الوارد: { اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمد الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته}.