ولكن لا يتوب تائب ولا يثوب ثائب ولا يؤوب آئب إلاّ بإذن التّواب سبحانه. الرّوح هنا أعمق من الرّحمة. فإذا راح الله إلى عبده رحمه. قال في أهل الجنّة من المقرّبين (فروح وريحان). روح عليهم بكلّ شيء ماتع لذيذ سارّ. ورضوان الله سبحانه عليهم هو أروح الرّوح. صيغ هذا القانون بصيغ أخرى في الكتاب العزيز منه قوله سبحانه على لسان إبراهيم الخليل عليه السّلام (ومن يقنط من رحمة ربّه إلاّ الضّالون). اليأس هو القنوط. والرّوح هو الرّحمة. والكافرون هم الضّالون. قال العلماء بحقّ: أعظم الذّنب هو اليأس من رحمة الله سبحانه. وهذا متوافق كلّ التّوافق مع أنّ الشّرك هو أكبر الذنب. إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون | من سنن الله في النّفس والحياة - المجلس الأوروبي للأئمة. ذلك أنّه لا يشرك بربّه امرئ حتّى يمتلئ صدره يأسا منه وقنوطا من رحمته. مهما احلولكت اللّيالي حول إسرائيل عليه السّلام وادلهمّت حتّى كانت كقطع اللّيل المظلم فإنّها لم تغتصب منه شعاع الأمل في ربّه أنّه يجمعه بفلذة كبده. وبمثل ذلك امتلأ فؤاد الخليل إيمانا وثقة ويقينا أنّه يرزق الولد على الكبر والعقم. لو طلب من العبد الفقير اجتراح عنوان لهذا الدّين ما تردّدت طرفة عين لأقول أنّه دين الأمل والرّجاء واليقين والثّقة والعزم الذي لا يعرف تردّدا ولا تلعثما.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول هذا القول وأستغفر الله. إن لم تمت عالماً فمت طالباً.............. ولا تكن الثالث فتهلك.........
وتتوالى الشدائد ويُصاب الناس بقحطٍ شديد وقلةٍ في الطعام، فيذهب أولاد يعقوب -عليه السلام- لمصر ليجلبوا بعض الطعام، فيأخذ يوسف أخاه إلى جانبه في مصر، ويعود الباقون دون أخيهم، فيشتدّ الكرب على الشيخ الكبير، وهو على حاله هذه يدعوهم إلى التفاؤل والبحث عن يوسف وأخيه. ويعود الإخوة إلى مِصر راجين أن يترك لهم عزيز مصر أخاهم ليعود معهم إلى والده، لعلّ عودته تسكّن ما بالشيخ من ألم، فيذكّرهم يوسف -عليه السلام- بأفعالهم ويُعْلِمُهم بأنه يوسف قد منّ الله عليه، فيرجعون بقميص يوسف -عليه السلام- إلى والدهم ويلقونه على وجهه فيرتدّ بصيرًا. ثم يذهب الجميع إلى مِصر فيرفع يوسف -عليه السلام- أبويه على العرش ويُحَيّيه الجميع تحيةً لعزيز مصر الذي لم تكن رحلته أهون من رحلة والده، فمن البئر إلى السجن، ومن المحبة إلى التكذيب، ثمّ إلى التصديق والتكريم. انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون. ما تُبشّر به الآية تنتهي بهذا قصة الألم والمعاناة، ويُبدّل الله المؤمنين بعد عسرٍ يسرى، فلا يأس من فرج الله ولا قنوط من رحمته، فالله الذي يملك خزائن السماوات والأرض قادرٌ على تغيير موازين الأمور وتبديل الحال من ضيقٍ إلى سعة. وتشتدّ الظروف المحيطة بالمسلمين في الوقت الحالي، فتناديهم الآية: (لا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ)؛ تشدّ قواهم وتسندهم إلى ركنٍ شديد، ركن الله القادر على تغيير الأمور وتبديل الهمّ إلى فرجٍ، والعسر إلى يسرٍ، فقط عليهم فعل ما يستطيعون فعله.