يومها، كان يمكن لأي شطط في المطالب أن يفضي إلى ما لا تحمد عقباه، فلسطينياً وعربياً ودولياً…يومها ما كان ممكناً لإسرائيل أن تجاهر بعنصريتها، وأن يقدم الكنيست على «دسترتها»…يومها، ما كان للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن تدير ظهرها للأردن، وأن تستخف بمستقبل علاقاتها به…يومها كان ثمن التمادي والتطاول ليكون أعلى من عائداته بكثير. حين أمنت إسرائيل العقاب، ولم تعد تخشى أحداً، أساءت التصرف…اليمين بات أكثر يمينية وتطرفاً…والوسط انتقل إلى مواقع اليمين، وأما اليسار فقد تحول قادته إلى «مهرجين» و»أراجوزات» على مسرح دمى تحركها أصابع نتنياهو. الانزياح المنهجي صوب التطرف الديني والقومي، هو ثمرة تحولات في بنية المجتمع الإسرائيلي، واختلالات في توازنات القوى بينه من جهة وكل من الفلسطينيين والعرب من جهة أخرى، وهو نتيجة منطقة، لهيمنة القطب الواحد على السياسات والعلاقات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وحتى يومنا هذا…وهذا الانزياح يفاقم على نحو غير مسبوق، ميول التوسع ويفتح الشهية الاستعمارية للحركة الصهيونية، ويطلق العنان لكل أشكال العنصرية لتنهش في حقوق الفلسطينيين العرب وكراماتها وانسانيتهم…رحم الله الصديق العزيز الدكتور حسين أبو النمل.
كـــــــرات عكســـــية محــمد كامــل سعــيد (من أمن العقاب.. اساء الأدب)..!! * انتكاسة اخرى اطلت برأسها على الساحة السودانية تمثلت في سقوط خمسة شهداء في مدينة الابيض أمس برصاص قناصة وبطريقة اكدت اننا لا نزال نعيش اصداء فض الاعتصام، وما حدث وسيحدث في مقبل الساعات من تأكيدات غريبة سيكون عنوانها الاول (استغباء الشعب) ولا نستبعد العودة الى ترديد الاسطوانة البايخة المشروخة اياها. * اي نعم، لقد تعودنا على ذلك، في ظل صمت قاتل ومثير من جانب اولئك الذين ظلوا يمارسون تهديد الشعب، ويتوعدونه بالويل والثبور وعظائم الامور، والفوضى اذا ما اصر الشعب الغلبان على ذهاب العسكر من الحكم. من امن العقاب اساء الادب. اي نعم يقولون ذلك وبلادنا لا تزال بعيدة عن الامن والامان بدليل ما حدث ويحدث من قتل وسحل وتفلتات كل اسبوع.. * الحقيقة ان (من أمن العقاب.. اساء الادب).. ومن هنا لابد لنا من مراجعة الاحداث التي شهدتها الخرطوم وغيرها من مدن البلاد خاصة تلك التي ارتبطت بالقتل ولنستعيد ما حدث خلال شهر رمضان، قبل المجزرة، وما تلاه قبل العيد، ويوم 30 يونيو، وبعدها في سنار، واخيراً ما جرى بالامس في عروس الرمال..! * كل هذه الاحداث والتفلتات، وجرائم القتل التي تتم بدم بارد، سنجد من يسعى لتبريرها والدفاع عن اولئك المجرمين الذين ارتكبوها جهاراً نهاراً، ويدعي بان كل من تعرض للقتل انما هو المخطئ وعلى اسرته تحمل المسئولية لانها تركته يخرج الى الشارع..!!
فكرة الدكتور أبو النمل تنطلق من مقولة تاريخية بسيطة، اختلف الرواة حول قائلها، منهم من نسبها للإمام علي ومنهم من قال إنها للشافعي، وفريق ردّها إلى ابن المقفع، وتقول: "من أمِنَ العقاب، أساء الأدب"، وفي ترجمته الخاصة للمقولة، يمضي صاحبنا للقول أن الدول كما الأفراد، تأمن العقاب في واحدة من حالتين أو كلتاهما: أن تتوفر على "فائض قوة" أو أن تتوفر لها الحماية والإسناد من قوة أعظم... في الحالة الإسرائيلية، يتوافر الشرطان ويتكاملان. أضف إلى ذلك، وما زلنا في عالَم الدكتور الراحل، أن خصوم إسرائيل لم يعانوا يوماً من حالة ضعف وتفسخ، كتلك التي يمرون بها... انقسام فلسطيني مدمر، وقيادات مترهلة فقدت القدرة على انتاج الأفكار والمبادرات (اقرأ القيادة)، وحالة عربية أين منها حال ممالك الأندلس في الهزيع الأخير من انحطاطها. لم يكن اليمين الإسرائيلي ليجرؤ على الحديث عن ضم الضفة، كلها أو جلها من قبل، لم يخطر بباله أن ضم منطقة غور الأردن، سيكون محوراً لمبادرة أمريكية "للسلام"... لم يجرؤ الإسرائيليون على التفكير بضم الحرم وانتهاك قدسيته والمطالبة بالسيادة الإسرائيلية عليه، فوق الأرض وتحتها... جل ما كان يتطلع إليه التيار الرئيس في إسرائيل هو ترتيبات أمنية في الغور، وضم كتل استيطانية كبرى وليس جميع المستوطنات، وترتيبات خاصة للبلدة القديمة و"الحوض المقدس"... من امن العقاب اساء الادب من القائل. لا أكثر ولا أقل.
ولكن الله غالب على أمره وقادر على أن يسلط على أذن النمروذ نملة ترتع فى أذنه فلا ينام إلا إذا ضُرب بالنعال على راْسه لتهدأ، فتكون تأديب القادر الحقيقى على مفجر النظام الجديد! تمر القرون ولا ينتهى التاريخ! ونماذج إساءة الأدب بداية من النمروذ، فرعون وأنا ربكم الأعلى، حتى شخصية هامان مهندس فرعون فى صرح الإفك للوصول للحق! شخصية تتألق على مر العصور، بصروحه الفكرية والمادية والروحية والاقتصادية، لتتواتر وتتنوع معه فراعين العالم شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالًا، ولكل منهم هامان إداريًّا وفكريًّا وسياسيًّا وحربيًّا ودينيًّا، يُبدع فى بناء صروح ترتفع فى كل مرة على نار مختلفة! ولكنها لا تكتمل وإن طال الزمن أو ضعفت القضية أو استمر الفرعون! كشري التحرير. التاريخ يثبت أن هامان دومًا يموت، يُعاقَب، يُحبط، وفرعونه يذوى ويكون عبرة! ولكنْ من هو فرعون القرن الـ21 ومَن هامانه، وكيف تبدو صروحه، وكيف أصبحت أشكال إساءة الأدب فى الدراما والتعاملات والسياسة وتحكمات التدين، شريعة وقانون الغاب المجتمعى والدولي؟ حتى فرعون نفسه أصبح رمزًا لعهد أو نظام عالمي، سخّر جيوشًا من الهامانات، التى تطورت فى بناء صروحها المعمارية والورقية والاتفاقية والمالية!