فتأمل أخي المسلم و أختي المسلمة كيف دلَّ هذا الحديث على عظم شهادة الزور من وجوه: الوجه الأول: كونه صلى الله عليه وسلم بدأ الحديث بقوله: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» حتى يلفت انتباه السامع. الوجه الثاني: كونه صلى الله عليه وسلم عدَّ شهادة الزور من أكبر الكبائر. الوجه الثالث: كونه صلى الله عليه وسلم قرن شهادة الزور بالإشراك بالله و عقوق الوالدين. الوجه الرابع: كونه صلى الله عليه وسلم جلس عند ذكر شهادة الزور بعد أن كان متكئاً. الوجه الخامس: كونه صلى الله عليه وسلم كرر وأعاد كلمة: ألا وشهادة الزور. أكبر الكبائر في الإسلام - موضوع. الوجه السادس: كونه صلى الله عليه وسلم شقَّ على نفسه أو كاد ان يشق على نفسه وهو يقول: ألا وشهادة الزور، حتى أشفق عليه الصحابة رضي الله عنهم. الوجه السابع: كونه صلى الله عليه وسلم لم يفعل مثل ذلك عند ذكر الاشراك بالله وعقوق الوالدين. و اعلم أخي القارئ الكريم ان من صفات عباد الرحمن التي ذكرها الله في القرآن في آخر سورة الفرقان أنهم لا يشهدون الزور كما في قوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَاذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} [الفرقان]. و تدبر قوله تعالى في سورة الحج { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)} [الحج]، ففي هذه الآية أمر الله تعالى باجتناب الشرك واجتناب قول الزور.
وقال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36] وقد مضى الكلام عن هذا في مناسبات عدة، ويدخل في ذلك شهادة الزور، وقول الزور؛ لأنه اتباع لما لا يعلم حقّيته وصحته، وقال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] فيدخل في ذلك شهادة الزور، وقول الزور. وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد [الفجر:14] وهذا قد مضى الكلام عليه في "باب المراقبة" فإذا استشعر العبد ذلك، فإنه لا يجترئ على معصيته، ولا يشهد زورًا، ولا يقول فجورًا.
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أمته ما يضرهم ليجتنبوه. أن الذنوب تتفاوت منها الصغائر ومنها الكبائر والكبائر تتفاوت أيضاً ولذا قال صلى الله عليه وسلم (أكبر الكبائر). أن الشرك _ وهو عبادة غير الله مع الله_ هو أكبر الكبائر على الإطلاق فلا ذنب أكبر من الشرك ، لأنه يوجب الخلود في النار ، ولأن من مات عليه لا يغفر الله له والعياذ بالله، كما قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ولأنه يحبط ويبطل جميع الأعمال الصالحة قال تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون). 336 - شرح حديث ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال:الإشراك بالله وعقوق الوالدين - الشيخ : عبدالرزاق البدر - شبكة خير أمة. أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ولعظم قبحه جاء العقوق بعد الشرك، كما أن البر بهما يجيء بعد التوحيد كما في قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا) عقوق الوالدين لا ينحصر في صورة واحدة بل له صور كثيرة منها عصيان أوامرهم التي لا يمنع الشرع من تنفيذها ، وانتهارهم ورفع الصوت عليهم والنظر الحاد إليهم ، وهجرهم وترك الإنفاق عليهما مع حاجتهما وقدرة الابن على الانفاق، والمقصود أن كل ما يؤذيهم قَلّ أو كثر فهو من العقوق وكل بحسبه والعياذ بالله. عظم شأن شهادة الزورة، ولذا لما أراد التحذير منها جلس ، ثم كرر التحذير منها مراراً، فإن شهادة الزور تسفك بها الدماء المعصومة وتلوث بها الأعراض الطاهرة، وتسلب بها الأموال المحترمة إلى غير ذلك من المفاسد والأضرار الدينية والدنيوية.
قال الصَّنعاني: "وإنما اهتمَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإخبارهم عن شهادة الزور، وجلَس وأتى بحرف التنبيه، وكرَّر الإخبار؛ لكون قول الزور وشهادة الزور أسهل على اللسان، والتهاون بها أكثر؛ ولأنَّ الحوامل عليه كثيرة؛ من العداوة والحسد وغيرهما، فاحْتِيج إلى الاهتمام بشأنه، بخلاف الإشراك، فإنه يَنبو عنه قلبُ المسلم، ولأنه لا تتعدَّى مَفسدته إلى غير المُشرك، بخلاف قول الزور، فإنه يتعدَّى إلى مَن قيلَ فيه، والعقوق يَصرِف عنه كرمُ الطَّبع والمُروءة.
بريدك الإلكتروني
متفق عليه. قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: قال المؤلِّف رحمه الله تعالى: باب تحريم العقوق وقطيعة الأرحام. العقوق: بالنسبة للوالدين، وقطيعة الأرحام: بالنسبة للأقارب غير الوالدين. والعقوق مأخوذٌ من العَقِّ، وهو القطع، ومنه سمِّيت العقيقة التي تُذبَح عن المولود في اليوم السابع؛ لأنها تُعَقُّ: يعني تُقطَع رقبتها عند الذبح. والعقوق من كبائر الذُّنوب؛ لثبوت الوعيد عليه من الكتاب والسُّنة، وكذلك قطيعة الرحم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]؛ يعني أنكم إذا تولَّيتُم أفسَدتُم في الأرض، وقطَعتُم الرحم، وحقَّتْ عليكم اللعنةُ، وأعمى الله أبصاركم. ﴿ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ المراد بالأبصار هنا البصيرة، وليس بصر العين، والمراد أن الله تعالى يُعمي بصيرةَ الإنسان والعياذ بالله، حتى يرى الباطل حقًّا، والحقَّ باطلًا. وهذه عقوبة أخرويَّة ودنيويَّة: أما الأخروية: فقوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾.
حدَّثنا خلف بن أحمد، قال: حدَّثنا أحمد بن مُطَرِّف، قال: حدَّثنا سعيد بن عثمان، حدَّثنا يونس بن عبدالأعلى، حدَّثنا ابن وهب، قال: أخبَرني محمد بن مسلم عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن عائشة قالت: "ما كان شيءٌ أبغضَ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الكذب، وكان إذا جرَّب من رجلٍ كذبةً، لَم تَخرج له من نفسه؛ حتى يُحدث توبةً". وقد رُوِي أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ردَّ شهادة رجلٍ في كذبة كذَبها، قال شَرِيك: لا أدري أكذبَ على الله أو رسوله، أو في أحاديث الناس؟"؛ انظر التمهيد. "وهكذا يُعلِّمنا هذا الحديث بُغضَ قول الزور، وعِظَمَ تلك الجريمة؛ لأنَّ المفاسد المترتِّبة عليها كثيرة، فقد يترتَّب على قول الزور أكْلُ أموال الناس بالباطل، أو سَفكُ الدماء، أو الخَوْض في الأعراض، ولا شكَّ أنَّ هذه المعاصي من أكبر الكبائر". والحمد لله ربِّ العالمين.