وقيل: على الفقر في الدنيا; قاله أبو عمران الجوني. وقيل: على الجهاد في سبيل الله; كما روي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تدرون من يدخل الجنة من خلق الله ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم; قال: المجاهدون الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره فيموت أحدهم وحاجته في نفسه لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وقال محمد بن إبراهيم: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان; وذكره البيهقي عن أبي هريرة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي الشهداء ، فإذا أتى فرضة الشعب يقول: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. ثم كان أبو بكر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ، وكان عمر بعد أبي بكر يفعله ، وكان عثمان بعد عمر يفعله. وقال الحسن البصري - رحمه الله -: بما صبرتم عن فضول الدنيا. وقيل: بما صبرتم على ملازمة الطاعة ، ومفارقة المعصية; قال معناه الفضيل بن عياض. ابن زيد: بما صبرتم عما تحبونه إذا فقدتموه. ويحتمل سابعا - بما صبرتم عن اتباع الشهوات.
وجملة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب عطف على يدخلونها فهي في موقع الحال. وهذا من كرامتهم والتنويه بهم ، فإن تردد رسل الله عليهم مظهر من مظاهر إكرامه. وذكر من كل باب كناية عن كثرة غشيان الملائكة إياهم بحيث لا يخلو باب من أبواب بيوتهم لا تدخل منه ملائكة. ذلك أن هذا الدخول لما كان مجلبة مسرة كان كثيرا في الأمكنة. ويفهم منه أن ذلك كثير في الأزمنة فهو متكرر لأنهم ما دخلوا من كل باب إلا لأن كل باب مشغول بطائفة منهم ، فكأنه قيل من كل باب في كل آن. وجملة سلام عليكم مقول قول محذوف; لأن هذا لا يكون إلا كلاما من الداخلين. وهذا تحية يقصد منها تأنيس أهل الجنة. والباء في بما صبرتم للسببية ، وهي متعلقة بالكون المستفاد من المجرور وهو عليكم ، والتقدير: نالكم هذا التكريم بالسلام بسبب صبركم. ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف مستفاد من المقام ، أي هذا النعيم المشاهد بما صبرتم. والمراد: الصبر على مشاق التكاليف وعلى ما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم. وفرع على ذلك فنعم عقبى الدار تفريع ثناء على حسن عاقبتهم ، والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة مقام الخطاب عليه. والتقدير: فنعم عقبى الدار دار عقباكم. وتقدم معنى عقبى الدار آنفا.
العنوان: أولئك لهم عقبى الدار (خطبة مكتوبة) التاريخ: September 24, 2020 عدد الزيارات: 6882 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن مِن عباد الله مَن أثنى عليهم ووعدهم يوم القيامة بالجنة ووعدهم أن يجمعهم فيها بمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وأن يكرمهم فيها بدخول الملائكة عليهم في قصورهم للسلام عليهم، إدخالاً للسرور على قلوبهم، وإظهاراً لكرامتهم على الله عز وجل. إخوة الإيمان: مما لا شك فيه أنه ما من عاقل يسمع ما أعده الله لهؤلاء إلا ويتمنى أن يكون منهم، وداخلاً في زمرتهم، وهل ذلك عسير ؟ لا بل هو بل يسير على من يسره الله عليه، فإن هؤلاء القوم لهم صفات بيّنَها الله تعالى في كتابه فمن اتصف بها في هذه الدنيا كان منهم في الآخرة.