آ. (160) قوله تعالى: وقطعناهم اثنتي عشرة: الظاهر أن "قطعناهم" متعد لواحد لأنه لم يضمن معنى ما يتعدى لاثنين، فعلى هذا يكون "اثنتي" حالا من مفعول "قطعناهم"، أي: فرقناهم معدودين بهذا العدد. وجوز أبو البقاء أن يكون قطعنا بمعنى صيرنا وأن "اثنتي" مفعول ثان، وجزم الحوفي بذلك. وتمييز "اثنتي عشرة" محذوف لفهم المعنى تقديره: اثنتي عشرة فرقة و "أسباطا" بدل من ذلك التمييز. وإنما قلت إن التمييز محذوف، ولم أجعل "أسباطا" هو المميز لوجهين، أحدهما: أن المعدود مذكر لأن أسباطا جمع سبط، فكان يكون التركيب اثني عشر. والثاني: أن تمييز العدد المركب وهو من أحد عشر إلى تسعة عشر مفرد منصوب، وهذا كما رأيت جمع. فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:|نداء الإيمان. وقد جعله الزمخشري تمييزا له معتذرا عنه فقال: فإن قلت: مميز ما عدا العشرة مفرد فما وجه مجيئه جمعا؟ وهلا قيل: اثني عشر سبطا. قلت: لو قيل ذلك لم يكن تحقيقا لأن المراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط لا سبط، فوضع أسباطا موضع قبيلة. ونظيره: [ ص: 485] 2315- بين رماحي مالك ونهشل.......... قال الشيخ: وما ذهب إليه من أن كل قبيلة أسباط خلاف ما ذكره الناس: ذكروا أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وقالوا: الأسباط جمع [سبط] ، وهم الفرق والأسباط في ولد إسحاق كالقبائل في ولد إسماعيل ويكون على زعمه قوله تعالى: وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط معناه: والقبيلة.
ولو قلت: لفلان، ولفلان، ولفلان عشرون درهمًا بإفراد درهم لأدَّى إلى اشتراك الكُلِّ في عشرين واحدة، والمعنى على خلافه. وقال جماعةٌ منهم البَغَوِيُّ: في الكلامِ تقديمٌ وتأخير تقديره: وقطعناهم أسباطًا أممًا اثنتي عشرة. وقوله: {أممًا} إمَّا نعتٌ لـ {أسْبَاطًا} ، وإمَّأ بدل منها بعد بدلٍ على قولنا: إنَّ {أسْبَاطًا} بدلٌ من ذلك التَّمييز المقدَّر. وجعلهُ الزمخشريُّ أنه بدل من {اثْنَتَيْ عَشْرَة} ؛ قال: بمعنى: وقطَّعْنَاهم أمَمًا، لأنَّ كل أسباط كانت أمَّةً عظيمةً وجماعة كثيفة العدد، وكلُّ واحد تؤمُ خلاف ما تؤمُّهُ الأخرى فلا تكادُ تأتلف. انتهى. وقد تقدَّم القولُ في الأسْبَاط. وقرأ أبان بنُ تغلبَ {وقَطَعْنَاهُمْ} بتخفيف العينِ والشَّهيرةُ أحسن؛ لأنَّ المقامَ للتَّكثيرِ، وهذه تحتمله أيضًا. وقرأ الأعمش وابن وثَّابِ، وطلحة بنُ سليمان {عَشِرَة} بكسر الشِّينِ، وقد رُوي عنهم فَتْحُها أيضًا، ووافقهم على الكسر فقط أبُو حَيْوَةَ، ولطحة بن مصرف. وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في البقرة [60]، وأنَّ الكسر لغةُ تميم والسُّكُونَ لغةُ الحجاز. إعراب "وَقَطَّعْنَهُمُ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا" - ملتقى الشفاء الإسلامي. قوله: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ}. وتقدمت هذه القصَّةُ في البقرةِ.
وقد اختلف علماء أهل الكتاب في مدلول لفظ ( حوريت) الذي أمر الله موسى أن يذهب إلى صخر فيه فيجده - أي الرب - عنده أو عليه ، وأن يضربه بعصاه فينفجر منه الماء ، هل هو جبلسيناء نفسه ؟ أم بين اللفظين عموم وخصوص ؟ - ويزعم بعضهم أنه الصخر المذكور في الوادي الذي يسمى ( وادي اللجاء) ويعين بعض الرهبان مكانه ، ولا يعنينا شيء مما ذكر إلا أننا نجزم بأن ما في كتب التفسير عندنا من صفة ذلك الحجر وحجمه وشكله ككونه كرأس الشاة أو أكبر ، وكونه يوضع في الجوالق أو يحمل على ثور أو حمار - كل ذلك من الخرافات الإسرائيلية التي كانوا يتلقونها بالقبول أيها أغرب. وقد نقل ابن كثير على احترامه كثيرا منها. وفي عرائس المجالس عن وهب بن منبه أن موسى كان يقرع لهم أقرب حجر فتنفجر منه عيون... وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما - YouTube. فقالوا إن فقد موسى عصاه متنا عطشا ، فأوحى الله إليه بأن يكلم الحجارة فتعطيه ، فقالوا: كيف بنا إذا مضينا إلى الأرض التي ليس فيها حجارة ؟ فأمر الله موسى أن يحمل معه حجرا فحيثما نزل ألقاه! إلخ. وهذا من الخرافات التي اختلقها وهب ، ليس لها أصل عند اليهود ولا عند المسلمين. ولولا جنون الرواة بكل ما يقال عن بني إسرائيل لما قبلوا من مثله أن يشرب مئات الألوف أو الملايين من حجر صغير يحمل ، كما قبلوا من مزاعمه [ ص: 311] أن رأس الرجل من قوم هود عليه السلام كان كالقبة العظيمة!!
ولا يقال: " عندي اثنتا عشرة نسوة " ، فبيَّن ذلك أن " الأسباط" ليست بتفسير للاثنتي عشرة, (8) وأن القول في ذلك على ما قلنا. * * * وأما " الأمم " ، فالجماعات= و " السبط" في بني إسرائيل نحو " القَرْن ". (9) * * * وقيل: إنما فرّقوا أسباطًا لاختلافهم في دينهم. * * * القول في تأويل قوله: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: " وأوحينا إلى موسى " ، إذ فرّقنا بني إسرائيل قومه اثنتي عشرة فرقة, وتيَّهناهم في التيه، فاستسقوا موسى من العَطش وغَوْر الماء= " أن اضرب بعصَاك الحجر ". * * * وقد بينا السبب الذي كان قومه استسقوه وبينا معنى الوحي بشواهده. (10) * * * = " فانبجست " ، فانصّبت وانفجرت من الحجر اثنتَا عشرة عينًا من الماء, " قد علم كل أناس " ، يعني: كل أناس من الأسباط الاثنتي عشرة " مشربهم " ، لا يدخل سبط على غيره في شربه= " وظللنا عليهم الغمام " ، يكنُّهم من حرّ الشمس وأذاها.
قال القاضي أبو محمد: وإنما الإظهر فيه عبراني عرب. قوله عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. قد تقدم في سورة البقرة أمر الحجر والاستسقاء وأين كان وأمر التظليل وإنزال المن والسلوى، وذكرنا ذلك بما يغني عن إعادته هاهنا. و {انبجست} معناه انفجرت إلا أن الانبجاس أخف من الانفجار، وقرأ الأعمش وعيسى الهمداني {كلوا من طيبات ما رزقناكم} بتوحيد الضمير. قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {وقطّعناهم} يعني: قوم موسى، يقول: فرَّقناهم {اثنتي عشرة أسباطًا} يعني: أولاد يعقوب، وكانوا اثنى عشر ولدًا، فولد كل واحد منهم سبطًا، قال الفراء: وإنما قال: {اثنتي عشرة} والسبط ذكَر، لأن بعده {أُمما} فذهب بالتأنيث إلى الأمم، ولو كان اثني عشر لتذكير السبط، كان جائزًا. وقال الزجاج: المعنى: وقطَّعناهم اثنتي عشرة فرقة، {أسباطًا} نعت {فرقة} كأنه يقول: جعلناهم أسباطًا، وفرَّقناهم أسباطًا، فيكون {أسباطًا} بدلًا من {اثنتي عشرة} و {أُممًا} من نعت أسباط.
فَرَّقهم أصنافًا، وجعلهم في التحزب أخيافًا، ثم كفاهم ما أَهَمهُم، وأعطاهم ما لم يكن لهم بُدٌّ منه فيما نابَهم؛ فظللنا عليهم ما وقاهم أذى الحرِّ والبرد، وأنزلنا عليهم المَنَّ والسَّلوى مما نفى عنهم تعبَ الجوعِ والجهد والسعي والكد، وفجَّرنا لهم العيونَ عند النزول حتى كانوا يشاهدونهم عيانًا، وألقينا بقلوبهم من البراهين ما أوجب لهم قوة اليقين، ولكن ليست العِبْرةُ بأفعال الخَلْقِ ولا بأعمالهم إنما المدارُ على مشيئة الحق، سبحانه وتعالى فيما يُمضِي عليهم من فنون أحوالهم. اهـ.. تفسير الآية رقم (161): قوله تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}. مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي: ولما ذكر ما حباهم في القفار، أتبعه إنعامه عليهم عند الوصول إلى الدار فقال: {وإذ} أي اذكر لهم هذا ليصدقوك أو يصيروا في غاية الظلم كأصحاب السبت فيتوقعوا مثل عذابهم، واذكر لهم ما لم تكن حاضره ولا أخذته عنهم، وهو وقت إذ، وعدل عن الإكرام بالخطاب ونو العظمة، لأن السياق للأسراع في الكفر فقال: {قيل لهم اسكنوا} أي ادخلوا مطمئنين على وجه الإقامة، ولا يسمى ساكنًا إلا بعد التوطن بخلاف الدخول، فإنه يكون بمجرد الولوج في الشيء على أيّ وجه كان {هذه القرية}.