[٤] وتجدر الإشارة إلى أنّ تزكية النفس من الأمراض القلبية الخطيرة التي تعيق على الفرد والمجتمع عملية الإصلاح، فالنظر إلى النفس على أنّها كاملة يعدّ من الأسباب التي تعميها عن النظر إلى العيوب والأمراض التي تحتاج إلى علاج، ممّا يؤدي إلى العجب والحسد والكبر، فالذي ينظر إلى نفسه على أنّها كاملة سيشعر بأنه يستحق التقدير والتعظيم والثناء، ممّا يؤدي إلى احتقار الناس بسبب عدم تقديرهم له، وإن اثنوا على غيره دخل الحسد إلى نفسه للمُثنى عليه. [٤] كيفية تزكية النفس تتحقق تزكية النفس بقيام العبد بالعديد من الأعمال التي توصله إليها، وفيما يأتي بيان البعض منها بشكلٍ مفصلٍ: [٥] التوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، حيث إنّ التوبة تعدّ أولى مقامات العبودية للعباد السالكين، مما يجعل العبد يستشعر مرحلة الانتقال من التخلية إلى التحلية، حيث قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ). [٦] المداومة والاستمرار على الاستغفار وعلى ذكر الله تعالى، حيث وردت العديد من الآيات القرآنية التي تحثّ وترغّب على ذلك، منها قول الله تعالى: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وللاستزادة في معنى الإسبال وحكمه وأقوال أهل العلم فيه والصلاة خلف المسبل نرجو مراجعة الفتوى رقم: 5943 والفتوى رقم: 7445. وأما المنان فهي صفة مبالغة من المن، وهو الذي لا يعطي شيا إلا منه كما قال المباركفوري، وقيل هو الذي إذا كال أو وزن نقص. قال الخطابي في معالم السنن: ويتأول على وجهين: أحدهما: من المنة، وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن وقعت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها. يزكيهم : معنى كلمة يزكيهم في القرآن الكريم. قال: والوجه الآخر أن يراد بالمن النقص يريد النقص في الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما، ومن هذا المعنى قوله تعالى: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ {القلم: 3} أي منقوص. وقد بينا في الفتوى رقم: 21126 أن من المن ما هو مذموم ومنه ما ليس كذلك، فنرجو مراجعتها. وأما المنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر: فهو الذي يروج مبيعه وبضاعته بذلك كما في تحفة الأحوذي، ومن صور ذلك أن يحلف كذبا أنه اشتراها بكذا وكذا، أو أنه أعطي فيها كذا وكذا، أو أنها أصلية وجيدة ونحو ذلك، مما يرغب فيها فتشترى منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة. متفق عليه. وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 53333.
ومن هنا نجد أن استعمالات المصطلح في القرآن الكريم لا تخرج عن المعنى الذي أشرنا إليه، فقد يستعمل المصطلح في إرسال الأنبياء، كما في قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) البقرة 213. ويطلق البعث ويراد به إرسال العذاب، كما في قوله: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم) الأنعام 65. ما هو معنى كلمة انتبذت،. ويأتي بمعنى الإيقاظ، كما في قوله سبحانه: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى) الأنعام 60. ويطلق ويراد منه إحياء الموتى، كما في قوله: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) يس 52. وكذلك يأتي البعث بمعنى إعلاء الشأن ورفع المقام، وقد بين تعالى هذا المصداق بقوله: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) الإسراء 79. وتأسيساً على ما سبق يظهر أن إبراهيم (عليه السلام) أراد أن يكون الرسول المبعوث من جنس هذه الأمة، والسبب في ذلك يرجع إلى مجموعة من الوجوه أهمها: أولاً: لأنهم أعرف الناس بتأريخه وصدقه ومنشأه، وبهذا تنتفي الغرابة التي تؤول إلى هذا المبعث. ثانياً: يقتضي أن يكون الرسول من جنسهم وذلك بسبب التقاليد القبلية الملازمة لهم.
قال القرطبي في تفسير الآية: المن: ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه. وقال بعضهم: المن: التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه. والمن من الكبائر. انتهى. ومن قبح المنان أنه ينقص ماله ولا ينال أجرا ولا حمدا على ذلك، ولذا ذم الله هذا الفعل وأخبرنا أنه يحبط العمل، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى {البقرة:264}. قال البغوي في تفسيره: وهو أن يمنّ عليه بعطائه، فيقول: أعطيتك كذا، ويعدّ نعمه عليه فيكدرها. انتهى. وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: قال جمهور العلماء في هذه الآية: إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمن أو يؤذى بها فإنها لا تقبل. انتهى. وجدير بمن يرجو لقاء ربه أن يترك المن ويتنزه عنه، لما فيه من الإثم وحبوط العمل، وأعظم من ذلك أن الله عز وجل لا ينظر إليه ولا يكلمه ولا يزكيه ثم عاقبته العذاب الأليم ـ نعوذ بالله من الخذلان ـ وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 95508 ، المن والأذى في الصدقة وحديث النفس بذلك. والله أعلم.
ثانياً: قذف المحصنات وقول الزور وأكل مال اليتيم. ثالثاً: الإساءة إلى الجار وعدم التراحم فيما بينهم. رابعاً: قتل الأولاد من الجنسين خشية من الفقر. خامساً: دفن البنات وهن أحياء خوفاً من العار. سادساً: حرمان المرأة من حقوقها إضافة إلى نكاح المحارم. أما ما ينسب إليهم من الصفات الحميدة فليس من الحقيقة في شيء، وذلك بسبب الصراعات التي تحدث بينهم كالبسوس وداحس والغبراء وغيرهما، وقد أشار الحق سبحانه إلى لمحات من تأريخهم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) آل عمران 154. وكذا قوله: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة 50. وقوله سبحانه: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) الفتح 26. وكذلك قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) الأنعام 151. وقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا) الإسراء 31. وقوله: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم... يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل 58- 59. وقريب منه قوله تعالى: (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم) الزخرف 17.
لقد ذم الحديث الشريف المن وفاعله، والمن هو ذكر الإنسان لما أنعم به على الآخرين ، وهو من الأفعال المستقبحة المذمومة، لكنه لا يقبل إلّا في حال كان المنعم عليه منكراً وكافراً لنعمة الآخرين وجاحداً لإحسانهم ، ففي هذه الحالة لا يذم المن.
وبتصفحك للمصحف تجده يُكرِّر هذا المعنى، فيقول: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]. ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]. فتلاحظ في هذه الآيات المتكرِّرة بلفظها ومعناها أنه دائمًا ما يُقدِّم التزكية على التعليم، ومن المعلوم أن تقديم الشيء دليلٌ على الاهتمام به والعناية بمكانته، فتلك الآيات جميعها تُعنَى بالتزكية وتقدمها، بينما توجد آية واحدة في كتاب الله ينعكس فيها هذا الترتيب، فيقدم فيها التعليم على التزكية.
[4] هل يجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيومين على من لا تجب زكاة الفطر بيّن أهل العلم أنّ أهل زكاة الفطر لا تجب على شخصين اثنين ، المعسر وقت وجوب زكاة الفطر ، والعبد المُسترق ، حيث لا تجب زكاة الفطر على مُعسرٍ وقت الوجوب ، نقل الإجماع أن لا شيء له لا فطرة عليه ، وهي واجبة على مسلم زيادة عن قوته وقوت من تجب عليه نفقتهم ، ولو لم يملك نصابًا ، فغير القادر على تأدية الزكاة لا حرج عليه وفجريات الله لا يُكلف نفسًا إلا وسعها ، أمّا العبد وفاقد الحرية ، وفقد الحرية ، وفقد على هذا الرقيق عن نفسه ، إنما يُخرجها عنه سيده وذلك باتفاق المذاهب الأربعة.
السؤال: رجلٌ زكاته ألف ريال، ففرقها على مائة فقير كل واحد يصله عشرة ريالات، هل هذا أفضل أم لو أعطاها فقيراً أو فقيرين لتسد فقره؟ الإجابة: الأفضل ما هو أنفع، فإذا كان الفقر عامّاً للناس شائعاً بينهم، فلا شك أن توزيعها على أكثر من فقير أفضل، أما إذا كانت الحاجة في الناس ليست شاملة فإن إعطاءها فقيراً واحداً أو فقيرين لسد حاجاتهم أفضل، لأن العشرة ريالات في وقتنا الحاضر ليست بشيء، ولكن في وقت سابق لها أثرها ولها قيمتها، فينظر للإنسان ما هو أصلح. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - المجلد الثامن عشر - كتاب أهل الزكاة. محمد بن صالح العثيمين كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 14 3 128, 768
الأموال التي تجب فيها الزكاة فُرضت الزكاة على الأغنياء في أموالهم النامية التي تحتمل المواساة وهي نوعان: أحدهما: نوع يُعتبر فيه الحول على نصاب تامٍّ، وهو: الأثمان، والماشية السائمة التي تُتَّخَذ للدرِّ والنَّسْل، وتَرْعَى أكثر الحول، وعُروض التجارة؛ والحولُ شرطٌ في وجوب الزكاة في العين يعني: الذهب والفضة وما يقوم مقامَها من الأوراق النقديَّة المعاصرة والماشية، وعُروض التجارة. حكم إعطاء الزكاة لمن له مصدر دخل. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عُمَّاله على الصَّدَقة كلَّ عام، وعملَ بذلك خلفاؤه الراشدون؛ لِمَا عَلِموه من سُنَّته، وقال البيهقي رحمه الله: المعتمد في اشتراط الحول على الآثار الصحيحة عن أبي بكر وعثمان وابن عمر وغيرهم. وقد رُويتْ أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، منها: حديث عائشة رضي الله عنها: «لا زكاةَ في مالٍ حتى يحولَ عليه الحول»، ومنها حديث ابن عمر: "مَن استفاد مالًا، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول". الثاني: ما لا يُعتَبر فيه الحول: وهو ما تجب فيه الزكاة بمجرَّد وجوده؛ كالحبوب والثمار والمعدن والركاز، فلا يشترط فيها مضيُّ الحول؛ لأنها نماءٌ في نفسها، تؤخَذ منها الزكاة عند وجودها، ثم لا تجب فيها مرَّة أخرى لعدم إرصادها للنماء؛ قال تعالى: «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» [الأنعام: 141]، والمعدن والركاز معطوفان عليه.