رفْع اليدَيْن أثناء الدُّعاء ( مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة) الحمدُ لله رب العالَمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصَحْبه أجمعين. وبعدُ: فإنَّه منَ المعلوم بأن رفع اليدَيْن مشروعٌ في الدعاء بصفة عامة؛ لما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، عن سلمان الفارسي، بأنه قال: ((إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجلُ إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين)).
ومن هنا قال العلماء بمشروعية رفْع اليدَيْن عند الدعاء، بل بالندب؛ اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - غير أن جماعة كرهوا رفع اليدين في غير الاستسقاء؛ لحديث أنس: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه؛ رواه البخاري ومسلم. يقول القُرطبي: والدعاء حسن كيفما تيسَّر، وهو المطلوب من الإنسان؛ لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى اللَّه - عزَّ وجلَّ - والتذلُّل له أو الخضوع، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن، وإن شاء فلا؛ فقد فَعَل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حسبما ورد في الأحاديث، وقد قال الله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55]. ولَم ترد صفة رفع اليَدَين وغيرهما، وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 191]، فمدحهم ولم يشترطْ حالة غير ما ذكر، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم الجمعة، وهو غير مستقبل القبلة. القول الراجح في رفع اليدين أثناء القنوت - إسلام ويب - مركز الفتوى. وكذلك رُوي عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه وقال: ((اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد))، وفي صحيح مسلم، عن عمر: رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه بالدعاء يوم بدر.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه "تصحيح الدعاء" (ص118، 119): تعليقا على حديث مسلم: ( فأشار بظهر كفيه إلى السماء) قال: "أي من شدة الرفع بيده ، كأن ظهور كفيه نحو السماء ، وهذا هو الذي يلتقي مع جميع أحاديث الرفع التي فيها التصريح بجعل بطونهما إلى السماء ، ومع حديث مالك بن يسار رضي الله عنه: ( إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) رواه أحمد وأبو داود. ولم أجد من حل هذا الإشكال على هذا الوجه إلا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى – فيما نقله عنه العلامة المرداوي – رحمه الله تعالى – في الإنصاف (1/458) حينما ذكر المذهب بجعل ظهور يديه نحو السماء في الاستسقاء ؛ لأنه دعاء رهبة ، وأن ظاهر كلام كثير من الأصحاب أن دعاء الاستسقاء كغيره في كونه يجعل بطون أصابعه نحو السماء ، قال ما نصه: "واختاره الشيخ تقي الدين ، وقال: صار كفه نحو السماء لشدة الرفع ، لا قصدًا له ، وإنما كان يوجه بطونهما مع القصد ، وأنه لو كان قصده ، فغيره أولى وأشهر ، قال: ولم يقل أحد ممن يرى رفعهما في القنوت: إنه يرفع ظهورهما ، بل بطونهما" انتهى. وهو نقل عزيز حل هذا الإشكال المتعارض ظاهراً ، المتآلف باطنًا ، فبه تآلفت السنن ظاهرًأ وباطنًا ، والحمد لله " انتهى.