الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. قال الله عز وجل في سورة السجدة: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:15-17]. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة السجدة - الآية 12. آيات السجود في القرآن خمسة عشر آية، هذه الآيات ورد في بعضها الأمر بالسجود في ثلاث مواضع وفي باقي القرآن إشارة إلى السجود أو إخبار عن حال المؤمنين في سجودهم لله سبحانه وتعالى. وقد ذكرنا أن جمهور العلماء على أن هذه الآيات يستحب السجود عندها إذا سمعها الإنسان أو إذا قرأها القارئ سواء في الصلاة أو في غير الصلاة. فالذي يقرأ سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة يستحب له أن يسجد، والذي يستمع إذا قصد الاستماع فيسجد مع القارئ، وإذا كان في الصلاة وجب عليه أن يتابع الإمام في السجود.
أخرج أبو عبيد، وابن الضريس من مرسل المسيب بن رافع أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «تجيء الم تنزيل - وفي رواية - الم السجدة، يوم القيامة لها جناحان، تظل صاحبها وتقول: لا سبيل عليه لا سبيل عليه». وأخرج الدارمي، والترمذي ، وابن مردويه عن طاوس قال: (الم السجدة، وتبارك الذي بيده الملك، تفضلان [ ص: 116] على كل سورة في القرآن بستين حسنة)، وفي رواية عن ابن عمر: (تفضلان ستين درجة على غيرهما من سور القرآن). وأخرج أبو عبيد في فضائله، وأحمد، وعبد بن حميد، والدارمي ، والترمذي ، والنسائي ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن جابر قال: «كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ (الم تنزيل السجدة، وتبارك الذي بيده الملك» وأخرج ابن مردويه، عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من قرأ تبارك الذي بيده الملك، والم تنزيل السجدة، بين المغرب والعشاء الآخرة، فكأنما قام ليلة القدر».
أخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم، والنسائي ، وابن ماجه، عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة: (الم تنزيل السجدة)، و (هل أتى على الإنسان)»، وأخرج أبو داود ، وهؤلاء إلا البخاري نحوه، عن ابن عباس.
والسجود في غير الصلاة لابد أن يكون على طهارة، والذي يسمع الآية التي فيها سجدة لابد أن يكون على طهارة إذا أراد أن يسجد، وعلى ذلك جمهور أهل العلم. ويكبر إذا سجد، سواء في الصلاة أو في غير الصلاة على الراجح، ويجوز أن يرفع اليدين ويسجد، ويجوز عدم رفع اليدين في السجود، خاصة إذا كان في الصلاة؛ لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في النزول إلى السجود عدم رفع اليدين إلا أحياناً كان يرفع اليدين، وهذا نزول إلى السجود، يعني: القارئ في الصلاة يقرأ آية السجدة وينزل إلى السجود، ويجوز أن يرفع اليدين، وإن كان الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في نزوله إلى السجود أنه كان لا يرفع اليدين. وقد ذكرنا أذكار سجود التلاوة، وما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وذكرنا الذكر الذي سمعه الرجل من شجرة في رؤيا منامية، وذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: ( اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلها من عبدك داود). تفسير سورة السجدة للاطفال. فإن قيل: هل يستحب إذا كان في غير الصلاة أن يسلم بعد سجود التلاوة؟ فالجواب: الراجح: أن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم فيه، فالذي في الصلاة سيسلم عند الانتهاء من صلاته، أما الذي في غير الصلاة فالمشابهة فقط في السجود، إذاً: يكبر ويسجد، ويكبر ويرفع، وليس فيها تسليم على الراجح.
( فذوقوا) العذاب ( بما نسيتم لقاء يومكم هذا) بترككم الإيمان به ( إنا نسيناكم) تركناكم في العذاب ( وذوقوا عذاب الخلد) الدائم ( بما كنتم تعملون) من الكفر والتكذيب 15. ( إنما يؤمن بآياتنا) القرآن ( الذين إذا ذكروا) وعظوا ( بها خروا سجدا وسبحوا) متلبسين ( بحمد ربهم) قالوا سبحان الله وبحمده ( وهم لا يستكبرون) عن الإيمان والطاعة 16. ( تتجافى جنوبهم) ترتفع ( عن المضاجع) مواضع الاضطجاع بفرشها لصلاتهم بالليل تهجدا ( يدعون ربهم خوفا) من عقابه ( وطمعا) في رحمته ( ومما رزقناهم ينفقون) يتصدقون 17. ( فلا تعلم نفس ما أخفي) خبىء ( لهم من قرة أعين) ما تقر به أعينهم وفي قراءة بسكون الياء مضارع ( جزاء بما كانوا يعملون) 18. سورة السجدة تفسير. ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) أي المؤمنون والفاسقون 19. ( أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا) هو ما يعد للضيف ( بما كانوا يعملون) 20. ( وأما الذين فسقوا) بالكفر والتكذيب ( فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) 21. ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) عذاب الدنيا بالقتل والأسر والجدب سنين والأمراض ( دون) قبل ( العذاب الأكبر) عذاب الآخرة ( لعلهم) أي من بقي منهم ( يرجعون) إلى الأيمان 22.