هذه الأمور الأربعة كلها يشملها قول الله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، وعليه عندما نقول: (اهدنا) نطلب -كما قلت- شيئاً مفقوداً لا شيئاً موجوداً فنقول: ثبتنا، وليس المعنى ثبتنا، اهدنا أي: من علينا بالهداية الكاملة التي هي علم نافع وإرادة جازمة وعمل تام كامل نتمكن ونقدر عليه وقبول من الله ليوصلنا ذلك إلى الجنة بفضل الله. إذاً: يقال لها: سورة الدعاء لاشتمالها على أفضل صيغة من صيغ الدعاء اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]. الخامس عشر: الكنز
د. عارف الشيخ سورة الفاتحة أول سورة في القرآن الكريم، وكنيت بأم الكتاب وأم القرآن والشفاء والسبع المثاني والوافية والحمد، وكفاها شرفاً أن افتتح بها كتاب الله عز وجل. والفاتحة هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي تقرأ في كل ركعة من ركعات الصلاة، وتكرر في كل يوم سبع عشرة مرة في سبع عشرة ركعة من الفرائض فقط. وهي السورة التي تشتمل على معاني آيات القرآن الكريم كلها، وتشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة: الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، وفي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم، قال أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين، قال الله مجدني عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل». نعم... وقد وردت أحاديث في فضائل سورة الفاتحة، من أجلها حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (رواه البخاري ومسلم).
الأمر الثاني: ما لا نريد فعله مما نعلمه أكثر مما نريد فعله مما نعلمه. كم من إنسان يعلم الخير لكنه لا يريد أن يعمل به، وليس عنده إرادة ولا رغبة، ولابد من أن يعرف الحق وأن يكون عنده عزيمة على فعله، وأن يتمكن من فعله بعد ذلك. الأمر الثالث: ما نريد أن نفعله مما يحبه الله ولا نتمكن من فعله أكثر مما نريد أن نفعله ويحبه الله ونتمكن من فعله، كم من إنسان يعلم أن بناء المساجد خير وأن الجهاد في سبيل الله طاعة، وأن مساعدة المساكين قربة، لكن ما عنده ما يفعل هذه الأمور، هو يعلم أن هذه طاعات ويريد أن يعمل، لكن إما أن بدنه ضعيف، وإما أنه لا يملك مالاً لأجل أن يشارك في أمور الخير، فما تمكن من العمل مع علمه وإرادته. إذاً: نسأل الله بقولنا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] علماً نافعاً، وإرادة جازمة للعمل بشرعه الذي يحبه ويرضاه، وأن يمكننا ويقدرنا على العمل بما علمناه وأردنا العمل به. وبقي بعد ذلك الهداية الرابعة: أن يتمم علينا هدايته بدخول الجنة، وأن يمن علينا بذلك بفضله ورحمته من غير حساب ولا عذاب إنه كريم وهاب. هذه الأمور الأربعة أخواتي الكريمات لا تجتمع في مخلوق على الإطلاق، ولذلك أمرنا أن نطلب من ربنا الهداية للصراط المستقيم الذي هو علم نافع، وإرادة جازمة للعمل بهذا العلم النافع، وبعد ذلك قدرة على العمل بتلك الإرادة الجازمة بذلك العلم النافع، وبعد ذلك قبول من الله ليمن علينا بدخول الجنة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، فالله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، والله جل وعلا يمن عليهم بذلك إنه واسع الفضل والمغفرة.