{ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [أي:] إن هذه الموعظة التي نبأ الله بها من أحوال يوم القيامة وأهواله ، تذكرة يتذكر بها المتقون، وينزجر بها المؤمنون، { فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} أي: طريقا موصلا إليه، وذلك باتباع شرعه، فإنه قد أبانه كل البيان، وأوضحه غاية الإيضاح، وفي هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم، ومكنهم منها، لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم، فإن هذا خلاف النقل والعقل.
فسبحان الله، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها، ولهذا [ ص: 1898] خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره. فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به، ثم أمره بالصبر على أذية قومه ، ثم أمره بالصدع بأمره، وإعلان دعوتهم إلى الله، فأمره هنا بأشرف العبادات، وهي الصلاة، وبآكد الأوقات وأفضلها، وهو قيام الليل. ومن رحمته تعالى، أنه لم يأمره بقيام الليل كله، بل قال: قم الليل إلا قليلا. ثم قدر ذلك فقال: نصفه أو انقص منه أي: من النصف قليلا بأن يكون الثلث ونحوه. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة المزمل - الآية 5. أو زد عليه أي: على النصف، فيكون نحو الثلثين. ورتل القرآن ترتيلا فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له، فإنه قال: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، ويرتل، ويتفكر فيما يشتمل عليه. ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل، فقال: إن ناشئة الليل أي: الصلاة فيه بعد النوم هي أشد وطئا وأقوم قيلا أي: أقرب إلى حصول مقصود القرآن، يتواطأ على القرآن القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره، وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذه المقاصد ، ولهذا قال: إن لك في النهار سبحا طويلا أي: ترددا في حوائجك ومعاشك، يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام.
ثم توعدهم بما عنده من العقاب، فقال:
ثم توعدهم بما عنده من العقاب، فقال: إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا ( 12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ( 13) يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا ( 14) أي: إن عندنا ( أَنْكَالا) أي: عذابا شديدا، جعلناه تنكيلا للذي لا يزال مستمرا على الذنوب. ( وَجَحِيمًا) أي: نارا حامية ( وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) وذلك لمرارته وبشاعته، وكراهة طعمه وريحه الخبيث المنتن، ( وَعَذَابًا أَلِيمًا) أي: موجعا مفظعا، وذلك ( يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ) من الهول العظيم، ( وَكَانَتِ الْجِبَالُ) الراسيات الصم الصلاب ( كَثِيبًا مَهِيلا) أي: بمنزلة الرمل المنهال المنتثر، ثم إنها تبس بعد ذلك، فتكون كالهباء المنثور. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا ( 15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا ( 16). تفسير سورة المزمل الآية 13 تفسير السعدي - القران للجميع. يقول تعالى: احمدوا ربكم على إرسال هذا النبي الأمي العربي البشير النذير، الشاهد على الأمة بأعمالهم، واشكروه وقوموا بهذه النعمة الجليلة، وإياكم أن تكفروها، فتعصوا رسولكم، فتكونوا كفرعون حين أرسل الله إليه موسى بن عمران، فدعاه إلى الله، وأمره بالتوحيد، فلم يصدقه، بل عصاه، فأخذه الله أخذا وبيلا أي: شديدا بليغا.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. مرحباً بالضيف