إذا أعرض عنك الخلق فاعتمد على التوكل على الله.. ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [19]. إذا تُلي عليك القرآن أو تلوته وأردت الانتفاع به في خضم الحياة وزيادة إيمانك فاستند إلى التوكل ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [20]. مواقف نبوية في التوكل على الله - طريق الإسلام. إذا طلبت الصلح والإصلاح بين قومٍ لا تتوصل إلى ذلك إلا بالتوكل.. ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [21]. إذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتوكل.. ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [22]. إذا نصبت الأعداء حبالات المكر فادخل أنت في أرض التوكل.. ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ﴾ [23].
أيها الأحبة في الله، طالبٌ لم يوفق أو تاجرٌ خسر أو صحيحٌ مرض، لا يعني ذلك أبداً النظر إلى الحياة نظرةً سوداء، ولا يعني بتاتاً القلق والاضطراب والوساوس، وكأن الدنيا أغلقت أبوابها في وجوههم، وكأن الحياة أعلنت ساعة الصفر لرحيلهم، وكأن أبواب الأمل أوصدت، ودروب الرجاء أقفلت، ومصادر الرزق قطعت، لا، إن المسلم بعزيمته وتوكله على الله و تفاؤلِه يتغلب على الصعاب، ويصارع الأحداث، فإذا أقفل باب فالأبواب متعددة، وإذا تعذر مجال فالمجالات متنوعة، والفرج قريب ورُبَّ محنٍ بين طياتها منحٌ كثيرة.. الفأل هو كما عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل ما الفأل؟ قال:"الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم " [3]. وفي حديث أنس رضي الله عنه.. وفيه " ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة والكلمة الطيبة" [4]. إذاً هو انشراح قلب الإنسان وإحسانه الظن وتوقع الخير بما يسمعه من الكلم الصالح أو الحسن أو الطيَّب [5]. التفاؤل والتوكل على الله محمد رمضان. وهو ضد الطَّيرة التي هي التشاؤم... ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [6]. ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [7].
وما أجمل المسلم المتفائلَ حينما يتّوج تفاؤله بالتوكل على الله تعالى، وها هي الآيات تؤكد هذا المعنى ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [11]. وهل تعلم أنّ آيات التوكل، وأنه سبحانه هو الوكيل، وهو نعم الوكيل سبحانه، قد بلغت حوالي اثنتين وخمسين آية [12]. منها قوله تعالى: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [13]. ومنها قوله ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [14]. ومنها قوله ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ﴾ [15]. والتوكل هو: صدق الاعتماد على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وكِلَةُ الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه [16]. التفريغ النصي - التفاؤل - للشيخ عبد الحي يوسف. ولقد نص العلماء رحمهم الله على أن للتوكل مواطن ، وهو مطلوب في كل شؤون الحياة، ومن ضمن تلك المواطن في القرآن الكريم ما يلي: إذا طلبتم النصر والفرج فتوكلوا عليه.. ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [17]. إذا أعرضت عن أعدائك فليكن رفيقك التـوكل.. ﴿ فَأَعْـرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾ [18].
التفاؤل والنبي صلى الله عليه وسلم سيد المتفائلين اعظم رجل في التاريخ محمد صلي الله عليه وسلم.
قَال ابْن رجب فِي كِتَابِ "جَامِعِ العُلومِ والحِكَم": "هذا الحدِيث أَصْلٌ في التوكل"، وقال ابن عثيمين: "قول النبي عليه الصلاة والسلام حاثّا أمته علي التوكل: ( لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله) أي: توكلا حقيقيا، تعتمدون علي الله عز وجل اعتماداً تاما في طلب رزقكم وفي غيره ( لرزقكم كما يرزق الطير)". المتأمل لحياة وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يُدْرِك عِظم توكله صلى الله عليه وسلم على ربه سبحانه، وهذا التوكل لا ينافي أو يتعارض مع أخذه بالأسباب، لأن التوكل عمل القلب والأسباب عمل البدن، ومع كونه صلوات الله وسلامه عليه أعظم المتوكلين، فقد كان يأخذ بالأسباب، فكان يتزود في أسفاره، ويعدّ السلاح في حروبه، وقد لبس يوم أُحُد درعين مع كونه من التوكل بمحل لم يبلغه أحد من خلق الله تعالى، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: « اعقلها وتوكل » (رواه الترمذي وحسنه الألباني).