5- روى ابن سعد في الطبقات أن ابن عباس رضي الله عنه كان يكتب الحديث، وقد ورث أبناؤه عنه كتبه، وكان عنده حِمْلُ بعير من الكتب، فقد روى ابن سعد (ت230هـ) بإسناده إلى عبيدالله بن علي، عن جدته سلمى قالت: رأيت عبدالله بن عباس معه ألواحٌ يكتب عليها عن أبي رافع شيئًا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم [8] ، وذكر ابن سعد بإسناده أنها حِمْل بَعير [9]. 6- ذكر المحدِّثون من أسباب إكثار بعض الصحابة من الرواية والتحديث: تفرُّغه للعلم والجلوس للتحديث، ثم وجود طلاب له يسمعون منه وينشرون علمه، ثمَّ تأخُّر وفاته حتى سمِع وأسمع الحديث؛ فكما هو معلوم أنَّ بعض الصحابة لم يتفرَّغ للعلم، أو لم يكن صاحب علم، أو الوفاة القريبة له، وفي هذا المقام: ابن عباس له تلاميذ كُثر، فقد ذكر المزي وابن حجر له 197 راويًا [10] ، ثم تأخَّرت وفاة ابن عباس (توفي 68 هـ) حتى سمِع من أغلب الصحابة وجَمَع العلم منهم، وقد نقلت كتب السنة قصصَ ذَهابه إلى بيوت الصحابة والسماع منهم. 7- ثم مَن يقول بأنَّ أحاديثه ضعيفة: يريد بهذا التشكيك بمن أخرج له من أصحاب الكتب، ثم التشكيك بقواعد نقد الحديث وتنقية الروايات وبيان المقبول منها من غير المقبول.
اللهم اجعلنا ممن خافك واتَّقاك. 17 4 39, 187
فَيَقُولُ: مَا جَاءَ بِكَ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ؟ فَأَقُولُ: " بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ ". فَيَقُولُ: فَهَلَّا بَعَثْتَ إِلَيَّ حَتَّى آتِيَكَ ، فَأَقُولُ: " أَنَا كُنْتُ أَحَقَّ أَنْ آتِيَكَ " ، فَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَمُرُّ بِي بَعْدُ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونِي فَيَقُولُ: أَنْتَ كُنْتَ أَعْقَلَ مِنِّي". أخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 976)، (1925)، والدارمي (590)، والحاكم في "المستدرك" (363) وقال: صحيح على شرط البخاري وهو أصل في طلب الحديث وتوقير المحدث. ووافقه الذهبي. ولذلك كان رضي الله عنه إذا سئل: كَيْفَ أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ ؟ قَالَ: " بِلِسَانٍ سَؤُولٍ، وَقَلْبٍ عَقُولٍ". في فضل معاوية رضي الله عنه - صالح بن عبد الله العصيمي - طريق الإسلام. أخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 970)، (1903)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (427). ومن هنا صدقت في ابن عباس رضي الله عنهما دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتاه الله الحكمة؛ وهي الإصابة، وإتقان الأمور، ووضع الشيء في محله. وآتاه الله الفقه والفهم في الدين ، وعلمه تفسير القرآن وتأويله ، حتى كان ترجمان القرآن ، وحبر الأمة.
عاصر الصحابة رضي الله عنهم نزول القرآن الكريم، وشهدوا من أسباب نزوله وتنـزيله على وقائع الحياة ما لم يشهده من جاء بعدهم، فكانوا بحق أعلم هذه الأمة بتفسير هذا الكتاب، وأبصرهم بمقاصده وغاياته. ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم على درجة واحدة بعلم تفسير القرآن الكريم، فقد امتاز بعضهم عن بعض، وعلم بعضهم ما لم يعلمه غيره، لأسباب لا يعنينا في هذا المقام الخوض فيها. من فضائل الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه بالتشكيل. وكان ابن عباس رضي الله عنه من أشهر مفسري الصحابة، مع أنه كان أصغرهم سناً، فقد ولد رضي الله عنه قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنوات، ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره، وذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابته من ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ولازم ابن عباس -إضافة لملازمته رسول الله صلى الله عليه وسلم- كبار الصحابة، أمثال أبي بكر ، و عمر ، وأخذ عنهم ما فاته في صغره. وقد شهد له الجميع بسعة علمه، ورجاحة عقله، حتى لقبوه بألقاب عدة: فلُقِّب بـ"البحر"، و"الحبر"، و"ترجمان القرآن". يقول ابن مسعود رضي الله عنه في حقه: (نِعْم ترجمان القرآن ابن عباس) رواه الحاكم في "المستدرك". وفي "المستدرك" أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس)، وكيف لا يكون كذلك وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري بقوله: ( اللهم فقهه في الدين) وفي رواية عند أحمد: ( وعلِّمه التأويل).
ز- قال ابن خلدون: "كان ينبغي أن تُلحقَ دولةُ معاوية بدُولِ الخلفاء؛ فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة". والشاهد أن معاوية رضي الله عنه صحابيٌّ جليلٌ، مَن تجرأ عليه، فهذا نذيرٌ على سوء طويته، ويُخشى على من سلك هذا المسلكَ من سوء الخاتمة ، أفلا يَسَعُ العقلاءَ ما وسع سلفَ هذه الأمةِ مِن حبِّه، والترضِّي عليه؟! فضائلُ الصحابةِ رضي الله عنهم ( مشكولة ) - ملتقى الخطباء. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية في فضل معاوية عباد الله: إن معاوية رضي الله عنه من خيرة صحب محمدٍ صلى الله عليه وسلم وإني لأعجب من قنوات الرافضة، وآياتهم وملاليهم، وأذنابهم وأتباعهم، كيف لا يحكِّمون عقولهم إن كانت لهم عقول؟! فهم يرَوْن أن الحسن بن علي رضي الله عنه إمامٌ من أئمتهم، معصومٌ من الخطأ والسهو باتفاق مصادرهم؛ بل ويرون أن من لم يؤمن بعصمته لا يدخل الجنة َ أبدًا، وقد اتَّفقت مصادرهم مع مصادر أهل السُّنة: أن الحسن رضي الله عنه تنازَلَ عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فإن كان معصومًا عندهم كما يزعمون من الخطأ والسهو والنسيان، أفلا ترشدهم عقولهم إلى أن يعدُّوا تنازُلَه تنازلاً صحيحًا ممن لا يخطئ عندهم؟! فكيف يقدحون في معاوية وقد تنازَلَ له بالخلافة معصومٌ عندهم؟!