جهود الدولة و»التارخية» يذكر أن مجلس الوزراء قد وافق مؤخرا على تحويل إدارة مشروع جدة التاريخية لبرنامج تأهيل والتحول لمدينة تراثية عالمية؛ بهدف إعادة تأهيل جدة التاريخية وتطويرها في المجالات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والبيئية وتوفير احتياجاتها من المرافق العامة والخدمات. وتسعى وزارة الثقافة التي تشرف على إدارة جدة التاريخية عبر خططها إلى استثمار بيوت جدة التراثية ومساجدها العتيقة وأسواقها المتنوعة، وطرازها المعماري الفريد، وإبراز مكوناتها التراثية ومزاياها المعمارية عبر مشروعات عديدة تشمل التجديد العمراني والعمل على جعلها متحفاً مفتوحاً.
ومن البيوت الشهيرة في جدة التاريخية بيت سلوم الذي تأسس في العام 1301هـ ويقع في حارة المظلوم الشهيرة وعلى بعد خطوات من بيت باعشن العريق، وتم ترميمه مؤخرًا وفق المواصفات والمعايير المعتمدة بإشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار بترخيص من أمانة محافظة جدة وبلدية المنطقة التاريخية. وأطلق اسم "بيت جدة وأيامنا الحلوة " على بيت سلوم بغرض جعله موقع يخدم جدة التاريخية ويمثل أحد الروافد التي تصب في مصلحة نشر الثقافة والفنون والتراث بالمنطقة وليصبح منارة وإشعاع ومقرا يبحث فيه المؤرخون والباحثون سبل حماية التراث العمراني لجدة التاريخية. ويتكون بيت سلوم أو "بيت جدة وأيامنا الحلوة" الذي تبلغ مساحته 497 مترًا مربعًا من أربع طوابق الدور الأرضي منه يتكون من مقعد حجازي وجناح مكتبي ودور أول وثاني مكررة في كل دور جناحان ودور ثالث عبارة عن سطوح مجهز ومطل على أسطح بيوت جدة التاريخية.
ويتزين البيت الحجازي بالمفارش والمساند المكسوة بالقطيفة وكذلك بجانبها المقاعد الخشبية وفيه يتم استقبال الضيوف وبجواره حُجر صغيرة تستخدم كمكتب أو غرف للضيوف أو لطعامهم، ثم توجد البركة وهي عبارة عن خزان ماء يتسع لمئات القرب من المياه للاستخدام المنزلي. جدة التاريخية...... وأجواء ساحرة رمضانية | مجلة سيدتي. ويوجد في الطابق العلوي من المنزل غرف النوم والمطبخ وغرف الغسيل والمبيت "وهو ملحق فوق السطح " وغيرها حيث يتصل الطابق العلوي مع الأرضي بسلم أو ما يعرف بالدرج, ويُجمل المنزل من الداخل بالأقواس والفسيفساء والنقوش التي تجعل منه تحفة فنية رائعة من الداخل والخارج. وكانت أحجار البناء المستخدمة في بناء البيت الحجازي عادة ما تكون من حجر الكاشور، وهو الحجر المنقبي "الحجر الجيري المرجاني" الذي كان يستخرج من الرصيف الصخري المرجاني الضحل لساحل البحر الأحمر في موقعين هما شمال بحر الأربعين "النقبة" وعند شاطئ الرويس "حي الرويس حاليا"، فيما كان الطين الأسود اللزج المستخرج من قاع بحر الأربعين "بحر الطين" هو البديل عن الإسمنت. ومما يدل على عراقة المجتمع في جدة التاريخية وما يتمتع به أبناؤه من براعة الصنعة وحس ذوقي رفيع، نلاحظ كثيرا في البيوت الحجازية، أنها أنشئت بطريقة تسمح لها بإعادة فكها وتركيبها وهذا لا يوجد في بقية بيوت العالم في عصرها، فيمكن فك الجزء المتضرر في البيت الحجازي وتعديله وإعادته من جديد، ويكون ذلك بشكل أفقي أو رأسي، وهذا بسبب التكليلة وهي خشبة ارتفاعها نحو متر، يتم وضعها بشكل أفقي في كل جدار، مما يسمح ببناء أربعة أدوار، لان الحجر المنجلي هش ولا يحتمل أكثر من دور واحد، لأن التكليلة تساعد على توزيع الأحمال لكل دور، وهي تعادل الكمرات في البناء العصري.
وجلبت معظم هذه الأخشاب إلى المنطقة التاريخية في أوائل القرن الرابع عشر هجري، ومنها ما يسمى بالطيق والأبواب، وأعواد أخرى من خشب القندل، التي تأتي من سواحل إفريقيا الشرقية، قبل صناعتها محلياً. وجاء اهتمام أهالي المنطقة بهذا الأنواع من الأخشاب، والأشكال التي صممت بها، لتحقيق الخصوصية داخل المبنى، والعمل على عزله حرارياً عن الخارج، فطبيعة هذا الخشب عازلة، ويساعد في الحد من وصول أشعة الشمس وحرارتها للمبنى. وتوجد في الجزء الأوسط من الروشان المشربية وتبرز للخارج بحوالي 30 سنتيمترًا وقد تكون على كامل عرض الروشان وغالباً ما تكون على جزء بسيط منه لا يزيد على المتر أو نصف المتر وذلك حسب حجم الروشان واتساعه. وبقدر سعة الحجرة فإن أغلب البيوت الحجازية كان فيها فتحات تسمى قلاب وكان يغني عما كان يوضع قديما على الطيق والفتحات من ستائر تصنع من أعواد النخيل الرفيعة فيما كانت أبواب البيت الحجازي تجلب غالبا من الهند وتكون مخرمة على شكل نقوش وأزهار تعطيها شيئا من الزخرف والجمال وهي مسقوفة في الغالب من أعواد شجر الدوم. واتفقت واجهات مباني جدة التاريخية على طراز واحد أو اثنين على الأكثر، ويحدد ذلك حجم وعدد الرواشين بكل بيت، كما أنه من المعروف أن الشبابيك تعد منفذا للهواء وفرصة للفرجة، إضافة إلى أن السكان كانوا يضعون فيها ماء الشرب، داخل "القلل" على قاعدة خشبية مخصصة تسمى "المرفع"، مما يساعد على تبريده، وأول ما يجده الزائر للبيت الحجازي " الدهليز " وهو على شكل غرفة أو صالون مفروش بالرمل وفي البيوت الصغيرة يوضع فيه كرسيان من الخشب وهنا يستقبل صاحب البيت الضيوف، ويبدو هذا الدهليز ضخماً وفارهاً وتفرش الغرف الجانبية للدهليز بالسجاد على جوانب الحائط.
تخط إلى المحتوى الرئيسي تمثل البيوت البلدية في جدة القديمة فناً معمارياً وهندسياً متميزاً, وهي تندرج ضمن النمط المعماري السائد في منطقة الحجاز, والذي يتسم بالقوة والمتانة والصلابة, ويتخذ شكلاً يدل على الهيبة والشموخ والصمود, و بذلك تعبر عن قوة الشخصية والهيبة والروح العالية لأهالي جدة العظماء الذين قاموا ببنائها. والناظر إلى هذه البيوت يرى واقع تراثنا الأصيل المتوزع في حواريها الأربعة العتيقة, ويرى أيضاً مشهداً يدل على العزة والكرامة والإباء ويستثير في النفس مكامن الشوق لتلك الأيام الجميلة عندما كانت هذه البيوت تصخب بالحياة ويجيش في النفس ذكرى تاريخ الآباء والأجداد.
وتضرر بيت بهلولي وبيت القاضي وعمارة باقحوم ومنزل باعثمان وبيت باطرفي ومنزل بامطهر، وبيت سلامة وبيت أبو الحمائل، وبيت الجخدار والريري، وبيوت العمودي، وهو الذي كان يسمى بيت عطية سابقا، وبيت أبو زنادة في حوادث حرائق طالت عددا منها وتسببت في اختلال بناء عدد منها وسقوطها. وأنقذت فرق الدفاع المدني منزل ريري الأثري والمصنف من الدرجة الثانية، من آثار حريق شب في الدور الثاني، وانتقل إلى أجزاء أخرى من المبنى، فيما تواصل النزف بحريق بيت الجخدار، وهو عبارة عن 3 منازل تاريخية سقط منه جزء وتبقى منزلان أثريان مصنفان من ضمن المباني الأثرية من الدرجتين الأولى والثانية، كما فقد منزل قطاب الذي احترق سابقا، ومنزل الكابلي، ومنزل ورثة باقيس، وقبل ذلك التهمت النيران منزلا يعود إلى أسرة الدخاخني وقبله عدة منازل، منها منزل البغدادي الشهير، والذي قضت عليه النيران كاملا. وتشير إحصاءات «عكاظ» إلى أن التاريخية فقدت نحو 208 مساكن أثرية وتاريخية جزئيا إما بالانهيار أو الحريق الكامل، إذ صنفت المنازل في قائمة «ماثيو» القديم، الذي ضم بشكل تقريبي 557 منزلا تبقى نحو 349. وقسم تصنيف ماثيو منازل جدة الأثرية إلى 3؛ الدرجة الأولى ذات مبان مهمة على مستوى الدولة، وهي مبان فريدة من نوعها، والثانية مبان ذات أهمية إقليمية، والدرجة الثالثة مبان ذات أهمية محلية غير أنه تم إلغاء التصنيف لتصبح جميع منازل جدة القديمة التي تقع في جدة التاريخية في فئة واحدة كونها مباني أثرية تاريخية.