أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة " البقرة ". وقوله: ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) استفهام إنكار ، ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان ، كما جاء في الحديث الصحيح: " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء ". وهذه الآية كقوله: ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) [ آل عمران: 142] ، ومثلها في سورة " براءة " وقال في البقرة: ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) [ البقرة: 214]; ولهذا قال هاهنا:
• قوله: (ابتلي على قدر دينه)؛ أي: ببلاء هين سهل. • قوله: (فما يبرح البلاء)؛ أي: ما يفارق أو ما يزال. أشد الناس بلاء. • قوله: (حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة): كناية عن خلاصته من الذنوب، فكأنه كان محبوسًا ثم أطلق وخلي سبيله، يمشي ما عليه بأس [2]. المسألة الثانية: كيفية الاستفادة من البلاء: اعلم - أخي - أن المؤمن أمرُه كلُّه له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي حديث صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْه سرَّاءُ، شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ، صبر؛ فكان خيرًا له)) [3]. تأمل - رعاك الله - أن الإنسان إما في سراء وإما في ضراء، فالمؤمن إما أن يكون لله شاكرًا، وإما أن يكون لله صابرًا، فدائمًا في اختبار وامتحان؛ كما قال - تعالى -: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]. وهذا يحتاج منا إلى رصيد إيماني كبير لاجتياز هذا الاختبار بالتزود بالتقوى، ولا يجتازه إلا مَن اتصف بصفتين عظيمتين، ألا وهما: شكر الله في حال النعم، والصبر في حال البلاء.
الحمد لله. نسأل الله أن يعافيك ، ويصلح لك أمر دينك ، وأن يرزقك الصبر والرضا بما شاء وقدر بحكمته وعلمه سبحانه. يبتلى المرء على قدر دينه ، والبلاء أنواع ، بعضه أشد من بعض . - الإسلام سؤال وجواب. روى الترمذي (2398) وصححه ، وابن ماجة (4023) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ ، قَالَ: ( الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي". والبلاء في الحديث عام ، يشمل كل أنواع البلاء ، فيشمل الابتلاء بالسراء والضراء، ويشمل الابتلاء بالحروب والفتن والاضطرابات ، ويشمل الابتلاء بتولي المسؤوليات ، كما يشمل الابتلاء بكثرة الفرق والبدع والضلالات ، وكثرة الشهوات والفجور، وانتشار الفساد في الأرض، ونحو ذلك. وليس البلاء مقصورا على المرض أو الفقر أو نحو ذلك ، قال تعالى: ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) الأنبياء/ 35 ، قال الطبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به " انتهى من "تفسير الطبري" (18/ 439).
- أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الذين يلونَهم ، ثم الذين يلونَهم الراوي: فاطمة بنت اليمان | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم: 996 | خلاصة حكم المحدث: صحيح يا رسولَ اللهِ!