الحمد لله. دلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية على وجوب إعفاء اللحية ، وعدم جواز الأخذ منها ، وهو ما دل عليه اللفظ النبوي ، وصحت به السنة في غير ما حديث. فروى البخاري (5892) ومسلم (259) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ، وَفِّرُوا اللِّحَى ، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ). (وفروا اللحى): أي: اتركوها وافرة. "فتح الباري" (10/350). ماحكم حلق اللحيه مع الدليل؟ - الموسوعة الفقهية - الدرر السنية. قال النووي رحمه الله: "حَصَلَ لهَذا الحَديثِ خَمْس رِوَايَات: أَعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَأَرْجُوا وَوَفِّرُوا, وَمَعْنَاهَا كُلّهَا: تَرْكُهَا عَلَى حَالهَا. هَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ الْحَدِيث الَّذِي تَقْتَضِيه أَلْفَاظه, وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء... وَالْمُخْتَار تَرْك اللِّحْيَة عَلَى حَالهَا وَأَلَّا يَتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرِ شَيْء أَصْلا" انتهى بتصرف يسير. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "ما يفعله بعض الناس من حلق اللحية أو أخذ شيء من طولها وعرضها فإنه لا يجوز ؛ لمخالفة ذلك لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره بإعفائها ، والأمر يقتضي الوجوب حتى يوجد صارف لذلك عن أصله ، ولا نعلم ما يصرفه عن ذلك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/137). وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "القص من اللحية خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (وفروا اللحى) ، (أعفوا اللحى) ، (أرخوا اللحى) فمن أراد اتباع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، واتباع هديه صلى الله عليه وسلم ، فلا يأخذن منها شيئاً ؛ فإن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يأخذ من لحيته شيئاً ، وكذلك كان هدي الأنبياء قبله" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/82). وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الواجب: إعفاء اللحية ، وتوفيرها ، وإرخاؤها ، وعدم التعرض لها بشيء. وأما ما رواه الترمذي رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها. فهو خبر باطل عند أهل العلم. فلا يجوز للمؤمن أن يتعلق بهذا الحديث الباطل ، ولا أن يترخص بما يقوله بعض أهل العلم ، فإن السنة حاكمة على الجميع" انتهى مختصرا. "مجموع فتاوى ابن باز" (10/96-97). وبهذا يتبين أن قول من يقول: إن طول اللحية لا يهم بقدر ما يهم الاعتناء بها وتنظيفها: قول مخالف للسنة الآمرة بتوفير اللحية وإعفائها. فالمطلوب من المسلم الأمران معاً: إعفاء اللحية وعدم الأخذ منها ، والعناية بتنظيفها.
يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/129)، ((تاج العروس)) للزبيدي (40/219). قال ابنُ حجر: (أوفوا: أي: اتركوها وافيةً). اللِّحى)) [590] أخرجه مسلم (259). 5- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((جُزُّوا الشَّوارِبَ وأرْخُوا [591] أرخُوا: مِن الإرخاءِ: وهو بمعنَى الإطالةِ والسَّدلِ، فمعنى ((أرْخُوا اللِّحى)) أي: أطيلُوها. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حَجَر (16/483)، ((تاج العروس)) للزبيدي (38/138). اللِّحى؛ خالِفوا المَجوسَ)) [592] أخرجه مسلم (260). وجاء بلفظِ ((أرْجُوا [593] أَرجُوا: أصلُها: أرْجِئُوا مِن الإرجاءِ: وهو التأخيرُ، و ((أرجُوا اللِّحَى)) أي: أخِّروها واترُكوها. قال النووي: (ذكَرَ القاضي عِياضٌ أنَّه وقع في روايةِ الأكثرين كما ذكَرْنا، وأنَّه وقع عند ابن ماهان (أرجُوا) بالجيم، قيل: هو بمعنى الأوَّلِ، وأصله (أرْجِئُوا) بالهمزة، فحذفت الهمزة تخفيفًا، ومعناه: أخِّروها واترُكوها). ((شرح صحيح مسلم)) (1/418). وقال ابنُ حجر: (وفي حديث أبي هريرة عند مسلمٍ: «أرجِئُوا»، وضُبِطَت بالجيم والهمزة، أي: أخِّروها). ((فتح الباري)) (16/483). ) بالجيم. أوجهُ الدَّلالةِ من هذه النُّصوصِ: أولًا: أنَّه حصلَ مِن مجموعِ الأحاديثِ خَمسُ رِواياتٍ: (أعْفُوا- أوفُوا- أرْخُوا- أرْجُوا- وَفِّروا) ولا شَكَّ أنَّ حَلقَ اللِّحيةِ وعَدمَ تكثيرِها يُخالِفُ هذه الأوامِرَ ويتنافى معها [594] قال ابن دقيق: (الأمرُ بإعفائِها، بمعنى: تكثيرِها أو تَرْكِها، يمنعُ من نتفِها وحَلقِها).
ورأى شيخُنا الشنقيطي في المنام الشيخَ سليمان، على هيئةٍ حسنةٍ وحالٍ طيبةٍ وخيرٍ ظاهرٍ، فقال له الشيخ سليمان: "لقد نفعني الله بأمرين: دماثة الخُلق، والإحسان إلى الناس"، ولشيخنا منامات ورؤى حِسانٌ، وله في تعبير الرؤى وتأويل المنامات مقامٌ كريمٌ يعرفه المقربون منه. قال لي الشيخ عبدالمحسن العسكر وأنا على إثْر شيخي في المقبرة: يا ماجد ارفع يديك وادعُ لهؤلاء الموتى، لعل الله يبعث لك بعد موتك من يدعو لك! ألا ما أصدقها من موعظة، وأزكاها من نصيحة. محمد محمود ولد أحمد الشيخ الشنقيطي - بينات. رحم الله الشيخ سليمان، وغفر له، ورفع درجته في المهديين، وخلفه في عقبه في الغابرين، وأحسن عزاء آله وذويه، وأطال في عمر شيخنا الشنقيطي على الخير والطاعة. اقرأ ايضًا: لا تدفنوا أمواتكم في مقابر تجاهلكم! أعجبني المقال
وبعد العشاء كنت أقرأ عليه صحيح مسلم، حتى ختمه، وابتدأ بالختمة الثانية، وتوفي في آخرها، ومن غريب ما يذكر أنه توفي عند باب فضل الموت والدفن في المدينة. وأذكر أنه في آخر هذا الدرس دعا، ولم تكن عادته الدعاء في هذا الموضع، وقد قرأت عليه هذا الحديث من البخاري ومسلم قرابة أربعة مرات، ما أذكر أنه دعا إلا في آخر مجلس من حياته، وكان صحيحاً ليس به بأس، فبعد أنه ذكر الفضل في الموت في المدينة وأقوال الصحابة، قال: وأسأل الله ألا يحرمنا ذلك، فأمن الحاضرون، وكان تأمينهم ملفت للنظر كتأمين المصلين في الحرم في الصلاة من كثرتهم. محمد بن محمد المختار الشنقيطي - المكتبة الشاملة. ثم في الفجر كان يقرأ حتى تطلع الشمس، وأما بعد صلاة الظهر فكنت أقرأ عليه صحيح البخاري حتى ختمته، ثم ابتدأتُ قراءة ثانية، وتوفي ولم أكملها عليه. وأما بالنسبة لقراءتي الخاصة عليه، فقرأت عليه في الفقه متن الرسالة حتى أكملته، وشيئاً كثيراً من مسائل كتاب بداية المجتهد، وكنت أحررها، وكان -رحمه الله- واسع الباع في علم الخلاف، إلا أنه من ورعه كان لا يرجح. وأما بالنسبة لعلم الأصول فقرأت عليه، لكن كان -رحمه الله- لا يحب كثرة الجدل والمنطق التي يقوم علم الأصول، فكان إذا دخلت معه في المنطق يقول: قم، يطردني؛ لأنه كان يرى تحريمه وهو قول لبعض العلماء.
شكرا لدعمكم تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة, وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. تحميل المصحف الشريف
تعرف علينا نعمل ليلا نهارا لأجل تقديم أجل الـخدمات العلمية الرّاقية لطلبتنا حول أرجاء العالم، يشمل ذلك التواصل مع المشايخ، وتسجيل الدروس، وإدارة المنصة، وإقامة الدورات، وتوقيع الشراكات المفيدة للعلم وأهله.
تسعون عامًا تصرّمت من عمر الشيخ سليمان، قضى أكثرها عاكفًا على حِلَق الراسخين من أهل العلم، تاليًا لدواوين الفقه، غائصًا في أسفار المعرفة، قائمًا بالقسط في ساحة القضاء، ساعيًا بالمعروف في حاجات الناس ، ومذ نشأ نشأته الأولى في فجر حياته وهو يرقى في مدارج العلم، حتى بزَّ أقرانه من لداته وعلا على أترابه، فما كان ينقضي يوم من أيام حياته إلا ويعلو فيه رتبة، ويرتفع به درجة، فغدا اسمه معيارًا في النزاهة، وميزانًا للإنصاف، وعنوانًا للإحسان. وهل يُستغرب العطاء والندى والجود والكرم ممن أرومته شمّرٌ! الشيخ محمد الشنقيطي على شفير قبر القاضي - أثارة. ألا نعم المَحْتَد والنسب الرفيع! وحول قبره التفَّ العلماء والدعاة وطلاب العلم ورجال الأعمال وعامة الناس وأغمارهم، فما شئت أن ترى من ألوان خلق الله في البشر إلا رأيته يومئذٍ، وطال مقامهم إلى قريبٍ من أذان صلاة المغرب، ورأيت عند رمسه أيفاعًا صغارًا في السنِّ يرفّون حول الناس كالفراشة في خفّة أجسادهم، وآخرين في هزيع عمرهم الأخير بأجساد باليةٍ على عربات مدفوعةٍ بالأيدي، جمعهم جميعًا – وهم من أصول شتّى وبلدان مختلفة وأعمار متباينة – حبُّ الشيخ، ومآثره التي لا تخفى عليهم، فكانوا شهداء الله في الشيخ. وعلى شفير قبره رأيتُ شيخنا العلامة الفقيه الزاهد العابد القدوة محمد الشنقيطي، خاضعًا مبتهلًا رافعًا يديه يدعو دعاء الواجف، فلمّا قضى ابتهالاته، وفرغ من دعواته؛ ثنى عنانه منصرفًا إلى بقايا الأجداث المجاورة صفًّا صفًّا، يقف عند كل صفٍّ منها ويدعو لأهلها دعاءً خاشعًا يُضيء قبورهم بإذن الله.