وقيل: كانت من آس الجنة ، حملها آدم معه. وقيل في أخذها غير ذلك.
وأرادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء ، فذلك قوله: وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت - أخته مريم - هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فأخذوها ، وقالوا: ما يدريك ما نصحهم له ؟ هل يعرفونه ؟ حتى شكوا في ذلك. فقالت: نصحهم له ، وشفقتهم عليه ، ورغبتهم في قضاء حاجة الملك ، ورجاء منفعته. فانطلقت إلى أمه فأخبرتها الخبر ، فجاءت أمه ، فلما أعطته ثديها أخذه منها ، فكادت تقول: هذا ابني ، فعصمها الله. وإنما سمي موسى لأنه وجد في ماء وشجر ، والماء بالقبطية مو ، والشجر سا. فذلك قوله تعالى: فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن. وكان غيبته عنها ثلاثة أيام ، وأخذته معها إلى بيتها ، واتخذه فرعون ولدا فدعي ابن فرعون ، فلما تحرك الغلام حملته أمه إلى آسية ، فأخذته ترقصه وتلعب به وناولته فرعون ، فلما أخذه إليه أخذ الغلام بلحيته فنتفها ، قال فرعون: علي بالذباحين يذبحونه ، هو هذا! قصة نبيّ الله موسى مع نبي الله شعيبٍِ عليهما السلام (1) | موقع سحنون. قالت آسية: لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، إنما هو صبي لا يعقل وإنما فعل هذا من جهل ، ولقد علمت أنه ليس في مصر امرأة أكثر حليا مني ، أنا أضع له حليا من ياقوت وجمرا فإن أخذ الياقوتة فهو يعقل فاذبحه وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي ، فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طشتا من جمر فجاء جبريل فوضع يده على جمرة فأخذها فطرحها موسى في فمه ، فأحرقت لسانه ، فهو الذي يقول الله تعالى: واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
قال لها أبوها: القوة قد رأيتها فما يدريك بأمانته ؟ فذكرت له ما أمرها به من المشي خلفه. فقال له أبوها: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني - نفسك - ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك. إسلام ويب - الكامل في التاريخ - قصة موسى عليه السلام ونسبه وما كان في أيامه من الأحداث- الجزء رقم1. فقال له موسى: ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل. فأقام عنده [ ص: 156] يومه ، فلما أمسى أحضر شعيب العشاء ، فامتنع موسى من الأكل ، فقال: ولم ذلك ؟ قال: إنا من أهل بيت لا نأخذ على اليسير من عمل الآخرة الدنيا بأسرها.
الحمد لله العلي الكبير؛ أعز أولياءه وأذل أعداءه، هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وتفكروا في تصرم الشهور والأعوام، وفي مضى الساعات والأيام، لقد ودعتم منذ أيامٍ قلائل عامًا هجريًا، وها أنتم تستقبلون عامًا جديدًا.
26. مسألة: كيف عرفت الفتاة أن موسى قوي وأمين؟ أما صفة القوة فلعلها أخذتها من قيامه بسقاية الماء. وأما الأمانة فلعل ذلك من مشي موسى أمامها لما ذهب معها لمنزلهم. ثم قال والد الفتاتين: (( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ))[القصص:27]. 27. هنا الذي بادر بالكلام الأب وعرض الزواج من ابنته للرجل الصالح؛ وهذا تصرف حكيم من ذلك الرجل في الحرص على تزويج ابنته من الرجل صاحب الدين والخلق. 28. جواز أن يكون المهر هو مدة من الزمن للعمل. وفي قوله تعالى: " وما أريد أن أشق عليك ". 29. يستفاد منه "الرحمة بالعمال" وعدم تكليفهم ما لا يقدرون ، وكم يعاني العمال في كثير من البلاد من ظلم أرباب العمل وتكليفهم ما لا يطيقون وتأخير رواتبهم وغير ذلك من صور الظلم. وفي قوله تعالى: (( قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ))[القصص:28]. 30. تواضع الأنبياء في وظائفهم وقبول أبسط الوظائف؛ فهنا قبل موسى بوظيفة الأجرة ورعاية المنزل وحاجات تلك الأسرة.
فلما أرادت أمه وضعه حزنت من شأنه ، فأوحى الله إليها ، أي ألهمها: أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم - وهو النيل - ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين. فلما وضعته أرضعته ثم دعت نجارا فجعل له تابوتا ، وجعل مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه وألقته في اليم ، فلما توارى عنها أتاها إبليس ، فقالت في نفسها: ما الذي صنعت بنفسي! لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابه. فلما ألقته قالت لأخته - واسمها مريم - قصيه - يعني قصي أثره - فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون أنها أخته ، فأقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة ويخفضه أخرى حتى أدخله بين أشجار عند دور فرعون ، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدن التابوت فأدخلنه إلى آسية ، وظنن أن فيه مالا ، فلما فتح ونظرت إليه آسية وقعت عليها رحمته وأحبته ، فلما أخبرت به فرعون ، وأتته به قالت: قرة عين لي ولك لا تقتلوه. فقال فرعون: يكون لك ، وأما أنا فلا حاجة لي فيه. [ ص: 153] قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت لهداه الله كما هداها. وأراد أن يذبحه فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها وقال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا ، فذلك قوله - عز وجل -: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا.