بحسبها أنه من فضل رتبتها تُعدُّ واحدة والبحر ثانيها في الأمثال العربية يُضرب المثل بالبحر للدلالة على الكبر والاتساع، فالبحتري أراد أن يُعبر عن كبر واتساع البركة بجعل البركة الأولى والبحر الثاني، والمعلوم أن الأول متفوق على الثاني، والبحتري هنا كأنه يقول إن كانت البركة كالبحر -والبحر رمز العطاء والجود وكأنه يمدح الخليفة- فكيف بباني هذه البركة، وقد بنى البحتري الفعل تُعد للمجهول لأن الفاعل -البركة- معروف للسامع، وذلك لعظمته. ما بال دجلة كالغيرى تنافسها في الحسن طورا وأطوارا تباهيها بعد ذكر البحر ينتقل البحتري إلى النهر باستخدام أسلوب الاستفهام والذي كان الغرض منه التعجب ، فالشاعر يتعجب من نهر دجلة أنه يغار من البركة، فمرة يغار من جمال البركة، ومرة يغار من عظمة البركة التي تباهي بها. البحتري هنا ذكر النهر مع أنه سبق وذكر البحر، ولا مقارنة بين عظمة البحر والنهر، وذلك ليكمل رسم الصورة الفريدة للبركة، إذ إن مياه النهر عذبة صافية، ومياه البحر تفتقر إلى هذه الصفة، فكانت الصورة مكتملة، واستخدم البحتري التشخيص وأعطى البركة صفات الأشخاص من خلال الاستعارة ، فالتباهي من صفات البشر، والتشخيص أعطى القصيدة حركة وبُعدًا جمالًيًا.
فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها وريق الغيث أحيانا يباكيها يرسم البحتري صورة البركة على مدار فصول العام، فهي متفاعلة مع الطبيعة، فهي تُضاحك الشمس وتباكي الغيث والمطر، ففي هذا البيت تشخيص من خلال الاستعارة، فالشاعر استعار صفة الضحك والبكاء من الإنسان وأعطاها للبركة. إذا النجوم تراءت في جوانبها ليلا حسبت سماء ركبت فيها في هذا البيت يصف الشاعر كبر وعظمة البركة، فعند ظهور النجوم في السماء تنعكس صورة السماء على البركة، فيعتقد الرائي أن نجوم السماء قد رُكبت على سطح البركة. لا يبلغ السمك المحصور غايتها لبعد ما بين قاصيها ودانيها يكمل الشاعر وصف عظمة البركة، فيقول إنَّ السمك الذي في البركة لا يستطيع أن يصل بين طرفيها، وهنا مبالغة رائعة للدلالة على عظمة واتساع البركة. يعمن فيه بأوساط مجنحة كالطير تنفض في جو خوافيها في هذا البيت يصف البحتري الأسماك في البركة، ويُشبهها بالطيور، وهذه الأسماك تسبح في البركة بتحريك زعانفها كما تُحرك الطيور أجنحتها، وهذا الوصف جاء للدلالة على عمق البركة، فالطيور عندما تطير ترتفع وتنزل، وكذلك السمك في البركة. لهن صحن رحيب في أسافلها إذا انحططن وبهو في أعاليها يقول الشاعر في هذا البيت إنَّ للأسماك صحن في أسفل البركة كما هو في أعلاها، والشاعر هنا يريد أن يُعبر عن اتساع البركة، فهي ليست واسعة من سطحها فقط، فحتى أسفل البركة واسع.